أهل بغداد ومن كتاب الدواوين (١) وكان إتقان أهل الذمة للغتين العربية واليونانية سببا فى إسناد الخلفاء لهم السفارات الدبلوماسية إلى الدولة البيزنطية وغيرها (٢).
كذلك اشتغل أهل الذمة فى الدواوين ، وكان لعدم إخلاص بعضهم فى تأدية واجباته أثره فى ارتياب فى اخلاصهم فموسى ـ وهو ذمى ـ أحد اثنين كلفهما المنصور بجباية الخراج ـ ولما ساءت سيرته ، غضب منه المنصور وعزله. وأمر بمعاقبة كل عامل أو والى يستعمل كاتبا من أهل الذمة (٣) وعلى الرغم من أن الرشيد عرف بتسامحه مع أهل الذمة إلا أنه أمرهم بألا يتشبهوا بالمسلمين فى لباسهم وركوبهم (٤) ومما لا شك فيه أن هذا الإجراء ليس اضطهادا من الخليفة لأهل الذمة ، أو امتهانا لهم ، بدليل أن القاضى أبا يوسف الذى حث الرشيد على اتخاذ هذا الإجراء هو نفسه الذى حث الرشيد على حسن معاملة أهل الذمة فقال للخليفة : ينبغى أن تتقدم بالرفق بأهل الذمة والتفقد لهم حتى لا يظلموا أو يؤذوا ، ولا يكلفوا فوق طاقتهم ، ولا يؤخذ شئ من أموالهم بحق يجب عليهم (٥).
ومهما يكن من أمر فقد كان عدد النصارى فى بغداد أكثر بكثير من عدد اليهود ، وأشتغل اليهود بالتجارة والصناعة ، ونبغ بعضهم فى الطب ، كما كانوا على صلة وثيقة بالخلافة وكبار رجال الدولة لاشتغالهم بتجارة المجوهرات.
انفصلت الطوائف الدينية عن بعضها تمام الأنفصال ، فلم يقع تزواج بين المسلمين وغير المسلمين ، ولا يمكن للمسيحى أن يعتنق اليهودية ، ولا يستطيع اليهودى أن يدخل فى المسيحية ، واقتصر التغيير فى الدين على الدخول فى الإسلام فقط ، ولا يجوز للمسيحى أن يرث اليهودى ، ولا اليهودى أن يرث
__________________
(١) روفائيل بأبو إسحق : تاريخ نصارى العراق ص ٨٤ ـ ٨٥.
(٢) الجهشيارى : الوزراء والكتاب ص ١٣٤.
(٣) الخراج ص ٧٢.
(٤) المصدر السابق ص ٧١.
(٥) Hitti : Hist.of the Arabs P.٢٥٣.