وبذلك دخل فى نزاع العصبية عنصر قوى جديد ، فقد كان النزاع من قبل محصورا بين الفرس والعرب ، فأصبح بين العرب والفرس من ناحية والترك من ناحية أخرى ، ووجه الترك كل جهودهم للنيل من الفرس والمستبدين بالسلطان ، وبعد أن كانت الأحداث تنصل بأعلام الفرس كأبى مسلم الخراسانى والبرامكة وبنى سهل ظهر تاريخ مرتبط أحداثه بأشناس وايتاخ ، إذ كانوا القابضين على زمام الدولة والمتصرفين فى شئونها (١).
حافظ المعتصم على جنوده الترك ، وحرص على أن تبقى دماؤهم متميزة فجلب لهم نساءا من جنسهم ، وكان المعتصم ينفق على جنده الترك بسخاء ، وعنى بزيهم وألبسهم أنواع الدبياج والمناطق المذهبة وأتخذلهم ثكنات خاصة ، يعيشون فيها معيشة كريمة ، وقد خص المعتصم الأتراك بالنفوذ ـ كما قلنا ـ وجعل لهم مراكز كبيرة فى مجالات السياسة والحرب ، وأجزل عليهم الهبات والأرزاق وفضلهم على سائر جنوده (٢).
وكانت الأتراك تؤذى أهل بغداد بجريها للخيول فى الأسواق وما ينال الضعفاء والصبيان من ذلك ، فكان أهل بغداد ربما ثاروا ببعضهم فقتلوه عند صدمه لإمرأة أو شيخ كبير أو صبى أو ضرير (٣) وضاقت بغداد بعسكر المعتصم ، فتأذى منهم الناس ، وزاحموهم فى دورهم ، وتعرضوا للنساء فخشى المعتصم من أن تحدث فتنة فى بغداد بين جنده من ناحية وأهل بغداد العرب والفرس من ناحية أخرى.
لذلك نقل حاضرة دولته إلى سامرا ، ونقل إليها جنده الترك وقال : إن رابنى من عساكر بغداد حادث كنت بنجوة ، وكنت قادرا على أن آتيهم فى البر وفى الماء (٤).
يذكر بعض المؤرخين مثل الفخرى والسيوطى أن المعتصم قدم إليه رجل شيخ
__________________
(١) أحمد أمين : ظهر الإسلام ص ٦.
(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢. ص ٢٦٦.
(٣) المصدر السابق ج ٢ ص ٢٦٦.
(٤) ابن طباطبا : الفخرى فى الآداب السلطانية ص ٢١١.