وفى تلك السنة خسف القمر خسوفا تاما وظهر كوكب فى السماء يجرم القمر وخر فهلعت القلاب واقشعرت الجلود واصطكت الركب وتزلزلت الأقدام وعلا العويل والنحيب وأخذ الناس على اختلاف الأعمار والطبقات والمذاهب والإيان يقرعون أوانى النحاس والدسوت والطشوت والمواعين حتى خاف الناس من هذه الجلبه والضوضاء أكثر من خوفهم من الخسوف نفسه. وكان السامع لهذه الأصوات يتخيل أن قد حانت الساعة وأن الأموات تتململ فى الأحداث وأنهم هم الذين يحدثون تلك الأحداث. والحقيقة أن ذلك الشهاب كان رجماصات صوتا عظيما عند ما تقرقع فى الجو وما أنحل وجه البدر الصبيح بعد ذلك الظلام القبيح على الناس إلى أفراحهم ونشعروا تلك الساعة الهائلة وكل اتراحهم.
وفى سنة ٨٥٩ ه (١٤٥٤ م) سمع أهل بغداد بظهور الطاعون فخافوا على أنفسهم خوفا عظيما لأنهم كلما سمعوا بذكر هذه الوافدة وظهورها فى دار من ديار الله ظنوا أنها تأتيهم شاؤوا أم أبوا. إلا أن ظنونهم لم يتحقق.
بيد أن الطاعون فتك فى السنة التالية فى ديار بكر الجزيرة وماردين نصيبين والموصل ولم يجسر على القدوم إلى دار السلام وما ذلك إلا الصعوبة العدوى المتولدة من صعوبة التنقل والترحات فى ذلك العمد وانقطاع الطرق. فراق الله بعبادة متخذا الوسائط البشرية والطبيعبة وسيلة لإظهار أعماله بين الناس.
فى سنة ٨٦١ ه (١٤٥٦ م ـ ١٤٥٧ م) انتقل إلى دار القرار باى سنقر بن شاه رخ ملك خراسان فتنازع أولاده المملكة. فلما رأى جهان ما وقع من الأنقسام بين أبناء الملك انتهز هذه الفرصة فأخذ هراة ، فلما سمع بهذا الخبر أبو سعيد عملت فى نفسه عوامل الغيرة على آل تيمور وتنبهت شواعره الباطنة فالى على نفسه أن يتأثر هذا الفائح الجسور. ولا سيما لأنه كان قد شهر نفسه ملكا على سمرقند قبل مدة وجيزة فخسف فى الزحف على التركمانى ليقمع ناهض طمعه. فلما رأى جهان شاه ما فى صدر منائه من محكم القصد ولم يستطع أن يقاومه فى السهل