الفلكيون بينهم ، ورجحوا كفة من يروه مصيبا ، ثم تسأل المنجمين عن أختيار وقت مناسب للعلاج ، فإن اجتمعوا على وقت وإلا نظر الأطباء فيما بين المنجمين من اختلاف وحكموا ، وإلا لزمهم القياس (١).
ولم يكن الخليفة الواثق أقل أهتمام من أسلافه بعلم الطب ، بل كان يكرم أهل العلم عموما ، وكان يعقد مجالس مناظراته فى فروع العلم المختلفة ، ومن بينها الطب ، ومن مناظرات أطبائه يتضح لنا أن الأطباء فى بغداد كانوا يعتمدون على التجربة ، وقسموا التجربة إلى قسمين ، قسم طبيعى وهو ما تفعله الطبيعة فى الصحيح والمريض ، وقسم عرضى وهو ما يعرض للحيوان من الحوادث والنوازل ، وقسم إرادى ، وهو ما يقع من قبل النفس الناطقة ـ أى النواحى النفسية والعصبية التى قد تصيب الإنسان ـ وحرصوا على تشخيص المرض بدقة ، وإستعمال الدواء المناسب من مرض إلى مرض يشبهه ، ومن عضو إلى عضو يشبهه ومن دواء إلى دواء يشبهه ، وكل ذلك لا يمكن استعماله إلا بالتجربة كذلك حددوا وظائف الأعضاء ، وعرفوا أن الضدين لا يجوز اجتماعهما فى حال ، وأن وجود إحداهما ينفى وجود الآخر وعرفوا أن السبيل إلى معرفة الطب مأخوذ من مقدمات أولية ، منها معرفة طبائع الأبدان والأعضاء وأفعالها ومنها معرفة الأبدان فى الصحة والمرض ومعرفة الاهوية واختلافها ، والأعمال والصنائع والعادات والأطعمة والأشربة ، ومعرفة قوى الأمراض.
وكما تختلف الحيوانات فى صورها وطباعها ، كذلك أعضاء الحيوان مختلفة فى صورها وطباعها ، وأن الأحياء الحيوانية تتغير بالاهوية المحيطة بها ، وبالحركة والسكون والأغذية والنوم واليقظة وسهولة الهضم والأعراض النفسية من الغضب والحزن وأثبتوا أن خير دواء هو الذى يظهر تأثيره الصحيح فى الجسم (٢).
__________________
(١) ابن أبى أصبيعة : طبقات الأطباء ج ٢ ص ١٣٠.
(٢) المسعودى : مروج الذهب ج ٢ ص ٣٨٥.