غلبت على أهل بغداد صفات الخلفاء ، والناس كما يقولون على دين ملوكهم ، فالمنصور أول خليفة قرب المنجمين ، وعمل بأحكام النجوم ، وقد نظر فى العلم ، وقرأ المذاهب ، وأرتاض فى الآراء ووقف على النحل ، وكتب الحديث ، فكثرت فى أيامه روايات الناس واتسعت عليهم علومهم (١) وكان المهدى سمحا كريما جوادا ، فسلك الناس فى عصره سبيله وذهبوا فى أمرهم مذهبه ، حتى كان لا يسؤل أحد فى أيامه إلا وأعطى ، أما الهادى فأول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف والقسى ، فسلك عماله طريقته ، وكثر السلاح فى عصره (٢).
وكان الرشيد مواظبا على الحج متابعا للغزو ، واتخاذ القصور وتمهيد الطرق فى طريق مكة فعم الناس إحسانه مع ما اقترن به من عدله وأقتدت به رعيته فظهر الحق وخفق الباطل (٣).
أما المأمون فكان أكثر الناس عفوا وأشدهم احتمالا وأحسنهم مقدرة ، وأجودهم بالمال الرغيب وأبذلهم بالعطايا ، واتبعه وزراؤه وأصحابه فى فعله ، وسلكوا سبيله وذهبوا مذهبه (٤) ، على أن المعتصم غلب عليه حب الفرسية والتشبه بالملوك الأعاجم فى ملبسه ومظهره ، فاقتدى بفعله الناس ، وعم الناس أفضاله ، وأمنت السبل فى أيامه ، وشمل الناس إحسانه (٥).
ظهرت نزعة فى بغداد تدعوا إلى الزهد ، وذلك أن بعض الناس بئسوا من الثراء وعفت نفوسهم عن التزلف والتقرب للأغنياء ، أو لم تمكنهم ظروفهم من ذلك ، وقوم خلصت نواياهم نحو الله واتجهوا إليه بكل ما استطاعوا ، وصفت نفوسهم ، ورأوا أن النفس إذا نالت ما أرادت انقادت إلى المعاصى ففضلوا التغلب
__________________
(١) المسعودى ـ مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٤.
(٢) المصدر السابق ج ٢ ص ٥٥٥.
(٣) المسعودى ـ مروج الذهب ج ٢ ص ٥٥٥.
(٤) المصدر السابق ج ٥٥٦.
(٥) المصدر السابق ص ٥٥٧.