قَدَّمَتْ يَداكَ) (١). وقيل : أخذ بيديه حجرا ليرمي به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فأسند التب إليهما. والظاهر أن التب دعاء ، وتب : إخبار بحصول ذلك ، كما قال الشاعر :
جزاني جزاه الله شرّ جزائه |
|
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل |
ويدل عليه قراءة عبد الله : وقد تب. روي أنه لما نزل : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢) ، قال : «يا صفية بنت عبد المطلب ، يا فاطمة بنت محمد ، لا أغني لكما من الله شيئا ، سلاني من مالي ما شئتما». ثم صعد الصفا ، فنادى بطون قريش : «يا بني فلان يا بني فلان». وروي أنه صاح بأعلى صوته : «يا صباحاه». فاجتمعوا إليه من كل وجه ، فقال لهم : «أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلا بسفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقي؟» قالوا : نعم ، قال : «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا؟ فافترقوا عنه ، ونزلت هذه السورة. وأبو لهب اسمه عبد العزى ، ابن عم المطلب عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقرأ ابن محيصن وابن كثير : أبي لهب بسكون الهاء ، وفتحها باقي السبعة ولم يختلفوا في ذات لهب ، لأنها فاصلة ، والسكون يزيلها على حسن الفاصلة. قال الزمخشري : وهو من تغيير الأعلام ، كقولهم : شمس مالك بالضم. انتهى ، يعني : سكون الهاء في لهب وضم الشين في شمس ، ويعني في قول الشاعر :
وإني لمهد من ثنائي فقاصد |
|
به لابن عمي الصدق شمس بن مالك |
فأما في لهب ، فالمشهور في كنيته فتح الهاء ، وأما شمس بن مالك ، فلا يتعين أن يكون من تغيير الأعلام ، بل يمكن أن يكون مسمى بشمس المنقول من شمس الجمع ، كما جاء أذناب خيل شمس. قيل : وكني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه ، ولم يذكره تعالى باسمه لأن اسمه عبد العزى ، فعدل عنه إلى الكنية ، أو لأن الكنية كانت أغلب عليه من الاسم ؛ أو لأن ماله إلى النار ، فوافقت حالته كنيته ، كما يقال للشرير : أبو الشر ، وللخير أبو الخير ؛ أو لأن الاسم أشرف من الكنية ، فعدل إلى الأنقص ؛ ولذلك ذكر الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأسمائهم ولم يكنّ أحدا منهم.
والظاهر أن ما في (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) نفي ، أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه ، وما كسب هو بنفسه أو ماشيته ، وما كسب من نسلها ومنافعها ، أو ما كسب من أرباح ماله الذي يتجر به. ويجوز أن تكون ما استفهاما في موضع نصب ، أي : أيّ شيء يغني عنه
__________________
(١) سورة الحج : ٢٢ / ١٠.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١٤.