به الفلاح وما تحصل به الخيبة ، ثم حذر النار وذكر من يصلاها ومن يتجنبها ، ومفعول يغشى محذوف ، فاحتمل أن يكون النهار ، كقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) (١) ، وأن يكون الشمس ، كقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) (٢). وقيل : الأرض وجميع ما فيها بظلامه. وتجلى : انكشف وظهر ، إما بزوال ظلمة الليل ، وإما بنور الشمس. أقسم بالليل الذي فيه كل حيوان يأوي إلى مأواه ، وبالنهار الذي تنتشر فيه. وقال الشاعر :
يجلي السرى من وجهه عن صفيحة |
|
على السير مشراق كثير شحومها |
وقرأ الجمهور : (تَجَلَّى) فعلا ماضيا ، فاعله ضمير النهار. وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير : تتجلى بتاءين ، يعني الشمس. وقرىء : تجلى بضم التاء وسكون الجيم ، أي الشمس.
(وَما خَلَقَ) : ما مصدرية أو بمعنى الذي ، والظاهر عموم الذكر والأنثى. وقيل : من بني آدم فقط لاختصاصهم بولاية الله تعالى وطاعته. وقال ابن عباس والكلبي والحسن : هما آدم وحواء. والثابت في مصاحف الأمصار والمتواتر (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) ، وما ثبت في الحديث من قراءة. والذكر والأنثى : نقل آحاد مخالف للسواد ، فلا يعد قرآنا. وذكر ثعلب أن من السلف من قرأ : وما خلق الذكر ، بجر الذكر ، وذكرها الزمخشري عن الكسائي ، وقد خرجوه على البدل من على تقدير : والذي خلق الله ، وقد يخرج على توهم المصدر ، أي وخلق الذكر والأنثى ، كما قال الشاعر :
تطوف العفاة بأبوابه |
|
كما طاف بالبيعة الراهب |
بجر الراهب على توهم النطق بالمصدر ، رأى كطواف الراهب بالبيعة.
(إِنَّ سَعْيَكُمْ) : أي مساعيكم ، (لَشَتَّى) : لمتفرقة مختلفة ، ثم فصل هذا السعي. (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) الآية : روي أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، كان عتق ضعفة عبيده الذين أسلموا ، وينفق في رضا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ماله ، وكان الكفار بضدّه. قال عبد الله بن أبي أوفى : نزلت هذه السورة في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، وأبي سفيان بن حرب. وقال السدّي : نزلت في أبي الدحداح الأنصاري بسبب ما كان يعلق في المسجد صدقة ، وبسبب النخلة التي اشتراها من المنافق بحائط له ، وكان الرسول صلىاللهعليهوسلم ساوم المنافق في شرائها بنخلة في الجنة ، وذلك بسبب الأيتام الذين كانت النخلة تشرف
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٤ ، وسورة الرعد : ١٣ / ٣.
(٢) سورة الشمس : ٩١ / ٤.