من ضريع ، إذ الإطعام من ضريع غير مسمن ولا مغن من جوع ، وهذا تركيب صحيح ومعنى واضح ، وقال الزمخشري : أو أريد أن لا طعام لهم أصلا ، لأن الضريع ليس بطعام للبهائم فضلا عن الإنس ، لأن الطعام ما أشبع وأسمن ، وهو منهما بمعزل. كما تقول : ليس لفلان ظل إلا الشمس ، تريد نفي الظل على التوكيد. انتهى. فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا ، إذ لم يندرج الكائن من الضريع تحت لفظة طعام ، إذ ليس بطعام. والظاهر الاتصال فيه. وفي قوله : (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) (١) ، لأن الطعام هو ما يتطعمه الإنسان ، وهذا قدر مشترك بين المستلذ والمكروه وما لا يستلذ ولا يستكره.
(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) : صح الابتداء في هذا وفي قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) بالنكرة لوجود مسوغ ذلك وهو التفصيل ، ناعمة لحسنها ونضارتها أو متنعمة. (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) : أي لعملها في الدنيا بالطاعة ، راضية إذا كان ذلك العمل جزاؤه الجنة. (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) : أي مكانا ومكانة. وقرأ الأعرج وأهل مكة والمدينة ونافع وابن كثير وأبو عمرو بخلاف عنهم. (لا تَسْمَعُ) مبنيا للمفعول ، (لاغِيَةً) : رفع ، أي كلمة لاغية ، أو جماعة لاغية ، أو لغو ، فيكون مصدرا كالعاقبة ، ثلاثة أقوال ، الثالث لأبي عبيدة وابن محيصن وعيسى وابن كثير وأبو عمرو كذلك ، إلا أنهم قرأوا بالياء لمجاز التأنيث ، والفضل والجحدري كذلك ، إلا أنه نصب لاغية على معنى لا يسمع فيها ، أي أحد من قولك : أسمعت زيدا ؛ والحسن وأبو رجاء وأبو جعفر وقتادة وابن سيرين ونافع في رواية خارجة وأبو عمرو بخلاف عنه ؛ وباقي السبعة : لا تسمع بتاء الخطاب عموما ، أو للرسول عليه الصلاة والسلام ، أو الفاعل الوجود. لاغية : بالنصب ، (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) : عين اسم جنس ، أي عيون ، أو مخصوصة ذكرت تشريفا لها. (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) : من رفعة المنزلة أو رفعة المكان ليرى ما خوله ربه من الملك والنعيم ، أو مخبوءة من رفعت لك هذا ، أي خبأته. (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) : أي بأشربتها معدة لا تحتاج إلى مالىء ، أو موضوعة بين أيديهم ، أو موضوعة على حافات العيون. (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) : أي وسائد صف بعضها إلى جنب بعض للاستناد إليها والاتكاء عليها. (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) : متفرقة هنا وهنا في المجالس.
ولما ذكر تعالى أمر القيامة وانقسام أهلها إلى أشقياء وسعداء ، وعلم أنه لا سبيل إلى إثبات ذلك إلا بواسطة الصانع الحكيم ، أتبع ذلك بذكره هذه الدلائل ، وذكر ما العرب مشاهدوه وملابسوه دائما فقال : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) ، وهي الجمال ،
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٣٦.