وابن جبير وقتادة : (عامِلَةٌ) في النار ، (ناصِبَةٌ) تعبة فيها لأنها تكبرت عن العمل في الدنيا. قيل. وعملها في النار جر السلاسل والأغلال ، وخوضها في النار كما تخوض الإبل في الوحل ، وارتقاؤها دائبة في صعود نار وهبوطها في حدور منها. وقال ابن عباس أيضا وزيد بن أسلم وابن جبير : عاملة في الدنيا ناصبة فيها لأنها على غير هدى ، فلا ثمرة لها إلا النصب وخاتمته النار ؛ والآية في القسيسين وعباد الأوثان وكل مجتهد في كفره. وقال عكرمة والسدي : عاملة ناصبة بالنصب على الذم ، والجمهور برفعهما.
وقرأ : (تَصْلى) بفتح التاء ؛ وأبو رجاء وابن محيصن والأبوان : بضمها ؛ وخارجة : بضم التاء وفتح الصاد مشدّد اللام ، وقد حكاها أبو عمرو بن العلاء (حامِيَةً) : مسعرة آنية قد انتهى حرها ، كقوله : (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (١) ، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد. وقال ابن زيد : حاضرة لهم من قولهم : آنى الشيء حضر. والضريع ، قال ابن عباس : شجر من نار. وقال الحسين : وجماعة الزقوم. وقال ابن جبير : حجارة من نار. وقال ابن عباس أيضا وقتادة وعكرمة ومجاهد : شبرق النار. وقيل : العبشرق. وقيل : رطب العرفج ، وتقدم ما قيل فيه في المفردات. وقيل : واد في جهنم. والضريع ، إن كان الغسلين والزقوم ، فظاهر ولا يتنافى الحصر في (إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) (٢) ، و (إِلَّا مِنْ) ضريع. وإن كانت أغيارا مختلفة ، والجمع بأن الزقوم لطائفة ، والغسلين لطائفة ، والضريع لطائفة.
وقال الزمخشري : (لا يُسْمِنُ) مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع ، يعني أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك ، والشوك مما ترعاه الإبل وتتولع به ، وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه ، ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه ، وهما إماطة الجوع وإفادة القوة ، والسمن في البدن ، انتهى. فقوله : مرفوع المحل أو مجروره على وصف طعام أو ضريع. أما جره على وصفه لضريع فيصح ، لأنه مثبت منفي عنه السمن والإغناء من الجوع. وأما رفعه على وصفه لطعام فلا يصح ، لأن الطعام منفي ولا يسمن ، منفي فلا يصح تركيبه ، إذ يصير التقدير : ليس لهم طعام لا يسمن ولا يغني من جوع إلا من ضريع ، فيصير المعنى : أن لهم طعاما يسمن ويغني من جوع من غير ضريع ، كما تقول : ليس لزيد مال لا ينتفع به إلا من مال عمرو ، فمعناه أن له مالا ينتفع به من غير مال عمرو. ولو قيل : الجملة في موضع رفع صفة للمحذوف المقدر في (إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) كان صحيحا ، لأنه في موضع رفع على أنه بدل من اسم ليس ، أي ليس لهم طعام إلا كائن
__________________
(١) سورة الرحمن : ٥٥ / ٤٤.
(٢) سورة الحاقة : ٦٩ / ٣٦.