والفراء : حافظ من الله يحفظها حتى يسلمها إلى المقادير. وقيل : الحافظ : العقل يرشده إلى مصالحه ويكفه عن مضاره. وقيل : حافظ مهيمن ورقيب عليه ، وهو الله تعالى.
ولما ذكر أن كل نفس عليها حافظ ، أتبع ذلك بوصية الإنسان بالنظر في أول نشأته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه ، فيعمل لذلك ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبته. و (مِمَّ خُلِقَ) : استفهام ، ومن متعلقة بخلق ، والجملة في موضع نصب بفلينظر ، وهي معلقة. وجواب الاستفهام ما بعده وهو : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) ، وهو مني الرجل والمرأة لما امتزجا في الرحم واتحدا عبر عنهما بماء ، وهو مفرد ، ودافق قيل : هو بمعنى مدفوق ، وهي قراءة زيد بن عليّ. وعند الخليل وسيبويه : هو على النسب ، كلا بن وتامر ، أي ذي دفق. وعن ابن عباس : بمعنى دافق لزج ، وكأنه أطلق عليه وصفه لا أنه موضوع في اللغة لذلك ، والدفق : الصب ، فعله متعد. وقال ابن عطية : والدفق : دفع الماء بعضه ببعض ، تدفق الوادي والسيل إذا جاء يركب بعضه بعضا. ويصح أن يكون الماء دافقا ، لأن بعضه يدفع بعضا ، فمنه دافق ومنه مدفوق ، انتهى. وركب قوله هذا على تدفق ، وتدفق لازم دفقته فتدفق ، نحو : كسرته فتكسر ، ودفق ليس في اللغة معناه ما فسر من قوله : والدفق دفع الماء بعضه ببعض ، بل المحفوظ أنه الصب. وقرأ الجمهور : (يَخْرُجُ) مبنيا للفاعل ، (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ) : بضم الصاد وسكون اللام ؛ وابن أبي عبلة وابن مقسم : مبنيا للمفعول ، وهما وأهل مكة وعيسى : بضم الصاد واللام ؛ واليماني : بفتحهما. قال العجاج :
في صلب مثل العنان المؤدم
وتقدمت اللغات في الصلب في سورة النساء ، وإعرابها صالب كما قال العباس :
تنقل من صالب إلى رحم
قال قتادة والحسن : معناه من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائبه. وقال سفيان وقتادة أيضا : من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، وتقدم شرح الترائب في المفردات. وقال ابن عباس : موضع القلادة ؛ وعن ابن جبير : هي أضلاع الرجل التي أسفل الصلب. وقيل : ما بين المنكبين والصدر. وقيل : هي التراقي ؛ وعن معمر : هي عصارة القلب ومنه يكون الولد. ونقل مكي عن ابن عباس أن الترائب أطراف المرء ، رجلاه ويداه وعيناه. قال ابن عطية : وفي هذه الأحوال تحكم على اللغة ، انتهى.