قال معناه : ما لم يغش محرما ، والمعنى : زادت الإنس الجن مأثما لأنهم عظموهم فزادوهم استحلالا لمحارم الله تعالى. وقال قتادة وأبو العالية والربيع وابن زيد : (فَزادُوهُمْ) ، أي الجن زادت الإنس مخافة يتخيلون لهم بمنتهى طاقتهم ويغوونهم لما رأوا من خفة أحلامهم ، فازدروهم واحتقروهم. وقال ابن جبير : (رَهَقاً) : كفرا. وقيل : لا يطلق لفظ الرجال على الجن ، فالمعنى : وإنه كان رجال من الإنس يعوذون من شر الجن برجال من الإنس ، وكان الرجل يقول مثلا : أعوذ بحذيفة بن اليمان من جن هذا الوادي ، وهذا قول غريب. (وَأَنَّهُمْ) : أي كفار الإنس ، (ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) أيها الجن ، يخاطب به بعضهم بعضا. وظنوا وظننتم ، كل منهما يطلب ، (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ) ، فالمسألة من باب الإعمال ، وإن هي المخففة من الثقيلة. وقيل : الضمير في وأنهم يعود على الجن ، والخطاب في ظننتم لقريش ، وهذه والتي قبلها هما من الموحى به لا من كلام الجن : (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) : الظاهر أنه بعثة الرسالة إلى الخلق ، وهو أنسب لما تقدم من الآي ولما تأخر. وقيل : بعث القيامة. (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) : أصل اللمس المس ، ثم استعير للتطلب ، والمعنى : طلبنا بلوغ السماء لاستماع كلام أهلها فوجدناها ملئت. الظاهر أن وجد هنا بمعنى صادف وأصاب وتعدت إلى واحد ، والجملة من (مُلِئَتْ) في موضع الحال ، وأجيز أن تكون تعدت إلى اثنين ، فملئت في موضع المفعول الثاني. وقرأ الأعرج : مليت بالياء دون همز ، والجمهور : بالهمز ، وشديدا : صفة للحرس على اللفظ لأنه اسم جمع ، كما قال :
أخشى رجيلا أو ركيبا عاديا
ولو لحظ المعنى لقال : شدادا بالجمع. والظاهر أن المراد بالحرس : الملائكة ، أي حافظين من أن تقربها الشياطين ، وشهبا جمع شهاب ، وهو ما يرحم به الشياطين إذا استمعوا. قيل : ويحتمل أن يكون الشهب هم الحرس ، وكرر المعنى لما اختلف اللفظ نحو :
وهند أتى من دونها النأي والبعد
وقوله : (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ) يدل على أنها كانت قبل ذلك يطرقون السماء ولا يجدونها قد ملئت. (مَقاعِدَ) جمع مقعد ، وقد فسر رسول الله صلىاللهعليهوسلم صورة قعود الجن أنهم كانوا واحدا فوق واحد ، فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه ، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها ، ثم يزيد الكهان الكلمة مائة كذبة. (فَمَنْ