تعالى ربنا العظيم. وقرأ عكرمة : جدا ربنا ، بفتح الجيم والدال منونا ، ورفع ربنا وانتصب جدا على التمييز المنقول من الفاعل ، أصله (تَعالى جَدُّ رَبِّنا). وقرأ قتادة وعكرمة أيضا : جدا بكسر الجيم والتنوين نصبا ، ربنا رفع. قال ابن عطية : نصب جدا على الحال ، ومعناه : تعالى حقيقة ومتمكنا. وقال غيره : هو صفة لمصدر محذوف تقديره : تعاليا جدا ، وربنا مرفوع بتعالى. وقرأ ابن السميفع : جدي ربنا ، أي جدواه ونفعه. وقرأ الجمهور : (يَقُولُ سَفِيهُنا) : هو إبليس. وقيل : هو اسم جنس لكل سفيه ، وإبليس مقدم السفهاء. والشطط : التعدي وتجاوز الجد. قال الأعشى :
أينتهون ولن ينهى ذوو شطط |
|
كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل |
ويقال : أشط في السوم إذا أبعد فيه ، أي قولا هو في نفسه شطط ، وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله تعالى. (وَأَنَّا ظَنَنَّا) الآية : أي كنا حسنا الظن بالإنس والجن ، واعتقدنا أن أحدا لا يجترىء على أن يكذب على الله فينسب إليه الصاحبة والولد ، فاعتقدنا صحة ما أغوانا به إبليس ومردته حتى سمعنا القرآن فتبينا كذبهم. وقرأ الجمهور : (أَنْ لَنْ تَقُولَ) مضارع قال ؛ والحسن والجحدري وعبد الرحمن بن أبي بكرة ويعقوب وابن مقسم : تقول مضارع تتقول ، حذفت إحدى التاءين وانتصب (كَذِباً) في قراءة الجمهور بتقول ، لأن الكذب نوع من القول ، أو على أنه صفة لمصدر محذوف ، أي قولا كذبا ، أي مكذوبا فيه. وفي قراءة الشاذ على أنه مصدر لتقول ، لأنه هو الكذب ، فصار كقعدت جلوسا.
(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ). روى الجمهور أن الرجل كان إذا أراد المبيت أو الحلول في واد نادى بأعلى صوته : يا عزيز هذا الوادي إني أعوذ بك من السفهاء الذين في طاعتك ، فيعتقد بذلك أن الجني الذي بالوادي يمنعه ويحميه. فروي أن الجن كانت تقول عند ذلك : لا نملك لكم ولا لأنفسنا من الله شيئا. قال مقاتل : أول من تعوذ بالجن قوم من اليمن ، ثم بنو حنيفة ، ثم فشا ذلك في العرب. والظاهر أن الضمير المرفوع في (فَزادُوهُمْ) عائد على (رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ) ، إذ هم المحدث عنهم ، وهو قول مجاهد والنخعي وعبيد بن عمير. (فَزادُوهُمْ) أي الإنس ، (رَهَقاً) : أي جراءة وانتخاء وطغيانا وغشيان المحارم وإعجابا بحيث قالوا : سدنا الإنس والجن ، وفسر قوم الرهق بالإثم. وأنشد الطبري في ذلك بيت الأعشى :
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها |
|
لا يشتفي وامق ما لم يصب رهقا |