الله للمؤمنين ، أي قولوا ربنا عليك توكلنا ، علمهم بذلك قطع العلائق التي بينهم وبين الكفار.
(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ، قال ابن عباس : لا تسلطهم علينا فيسبوننا ويعذبوننا. وقال مجاهد : لا تعذبنا بأيديهم أو بعذاب من عندك ، فيظنوا أنهم محقون وأنا مبطلون ، فيفتنوا لذلك. وقال قريبا منه قتادة وأبو مجلز ، وقول ابن عباس أرجح لأنه دعاء لأنفسهم ، وعلى قول غيره دعاء للكافرين ، والضمير في فيهم عائد على إبراهيم والذين معه ، وكررت الأسوة تأكيدا ، وأكد ذلك بالقسم أيضا ، ولمن يرجو بدل من ضمير الخطاب ، بدل بعض من كل.
وروي أنه لما نزلت هذه الآية ، عزم المسلمون على إظهار عداوات أقربائهم الكفار ، ولحقهم هم لكونهم لم يؤمنوا حتى يتوادوا ، فنزل (عَسَى اللهُ) الآية مؤنسة ومرجئة ، فأسلم الجميع عام الفتح وصاروا إخوانا. ومن ذكر أن هذه المودة هي تزويج النبي صلىاللهعليهوسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأنها كانت بعد الفتح فقد أخطأ ، لأن تزويجها كان وقت هجرة الحبشة ، وهذه الآيات سنة ست من الهجرة ، ولا يصح ذلك عن ابن عباس إلا أن يسوقه مثالا ، وإن كان متقدما لهذه الآية ، لأنه استمر بعد الفتح كسائر ما نشأ من المودات ، قاله ابن عطية. وعسى من الله تعالى واجبة الوقوع ، (وَاللهُ قَدِيرٌ) على تقليب القلوب وتيسير العسير ، (وَاللهُ غَفُورٌ) لمن أسلم من المشركين.
(لا يَنْهاكُمُ اللهُ) الآية ، قال مجاهد : نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا ، فكانوا في رتبة سوء لتركهم فرض الهجرة. وقيل : في مؤمنين من أهل مكة وغيرها تركوا الهجرة. وقال الحسن وأبو صالح : في خزاعة وبين الحارث بن كعب وكنانة ومزينة وقبائل من العرب ، كانوا مظاهرين للرسول محبين فيه وفي ظهوره. وقيل : فيمن لم يقاتل ، ولا أخرج ولا أظهر سوأ من كفار قريش. وقال قرة الهمداني وعطية العوفي : في قوم من بني هاشم منهم العباس. وقال عبد الله بن الزبير : في النساء والصبيان من الكفرة. وقال النحاس والثعلبي : أراد المستضعفين من المؤمنين الذين لم يستطيعوا الهجرة. وقيل : قدمت على أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه أمّها نفيلة بنت عبد العزى ، وهي مشركة ، بهدايا ، فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول ، فنزلت الآية ، فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن تدخلها منزلها وتقبل منها وتكفيها وتحسن إليها. قال ابن عطية : وكانت المرأة فيما روي خالتها فسمتها أمّا ؛ وفي التحرير : أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه طلق امرأته نفيلة في الجاهلية ،