لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (١). والذكر الجميل قائم مقام الحياة ، بل هو أفضل من الحياة ، لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في الحي ، وأثر الذكر الجميل يحصل في كل مكان ، وفي كل زمان. انتهى. وقال ابن دريد :
وإنما المراد حديث بعده |
|
فكن حديثا حسنا لمن وعا |
وقال الآخر :
إنما الدنيا محاسنها |
|
طيب ما يبقى من الخبر |
وذكر أن هلاون ، ملك التتر ، سأل أصحابه : من الملك؟ فقالوا : أنت الذي دوخت البلاد وملكت الأرض وطاعت لك الملوك. فقال : لا الملك هذا ، وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن ، هذا الذي له أزيد من ستمائة سنة ، قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم خمس مرات؟ يريد محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) ، قال الحسن عن شكر هذه النعمة. وقال مقاتل : المراد من كذب به يسأل سؤال توبيخ. (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) ، قيل : هو على ظاهره ، وأن جبريل عليهالسلام قال له ليلة الإسراء ، حين أم بالأنبياء : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا) ، فلم يسألهم ، إذ كان أثبت يقينا ، ولم يكن في شك. وروي ذلك عن ابن عباس ، وابن جبير ، والزهري ، وابن زيد ، وفي الأثر أن ميكال قال لجبريل : هل سأل محمد عن ذلك؟ فقال : هو أعظم يقينا وأوثق إيمانا من أن يسأله ذلك. وقال ابن عباس أيضا ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وعطاء : أراد واسأل أتباع من أرسلنا وحملة شرائعهم ، إذ يستحيل سؤال الرسل أنفسهم ، وليسوا مجتمعين في الدنيا. قال الفراء : هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل ، فإذا سألهم ، فكأنه سأل الرسل ، والسؤال الواقع مجاز عن النظر ، حيث لا يصلح لحقيقته ، كثير منه مساءلة الشعراء الديار والأطلال ، ومنه : سيد الأرض من شق أنهارك ، وغرس أشجارك ، وجنى ثمارك ، فإنها إن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. فالسؤال هنا مجاز عن النظر في أديانهم : هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من ملل الأنبياء؟ والذي يظهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات ، فقيل له : اسأل أيها الناظر أتباع الرسل ، أجاءت رسلهم بعبادة غير الله؟ فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع ، ولا يمكن أن يأتوا به. وأبعد من ذهب إلى أن المعنى : واسألني ، واسألنا عن من أرسلنا ، وعلق واسأل ، فارتفع من ، وهو اسم استفهام على
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٨٤.