لا يمكن أن يجتمعا ، قال : فلا يصح أن يكون بدلا من الأخير ، يعني لذلك التغاير من كون هذا ظرف حال وهذا ظرف مضى. قال : ولكن تكون إذ متعلقة بما دل عليه المعنى ، كأنه قال : ولن ينفعكم اجتماعكم ، ثم قال : وفاعل ينفعكم الاشتراك. وقيل : الفاعل محذوف تقديره ظلمكم ، أو جحدكم ، وهو العامل في إذ ، لا ضمير الفاعل لما ذكر تعالى حال الكفار وما يقال لهم. وكانت قريش تسمع ذلك ، فلا تزداد إلا عتوا واعتراضا ، وكان هو ، صلىاللهعليهوسلم ، يجتهد في تحصيل الإيمان لهم. خاطبه تعالى تسلية له باستفهام تعجيب ، أي أن هؤلاء صم ، فلا يمكنك إسماعهم ، عمي حيارى ، فلا يمكنك أن تهديهم ، وإنما ذلك راجع إليه تعالى. ولما كانت حواسهم لن ينتفعوا بها الانتفاع الذي يجري خلاصهم من عذاب الله ، جعلوا صما عميا حيارى ، ويريد بهم قريشا ، فهم جامعو الأوصاف الثلاثة ، ولذلك عاد الضمير عليهم في قوله : (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) ، ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ) الآية. والمعنى : أن قبضناك قبل نصرك عليهم ، فإنا منهم منتقمون في الآخرة كقوله : (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) (١) ، (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) من العذاب النازل بهم كيوم بدر ، (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) : أي هم في قبضتنا ، لا يفوتوننا ، وهذا قول الجمهور. وقال الحسن وقتادة : المتوعد هم الأمة ، أكرم الله تعالى نبيه عن أن ينتقم منهم في حياته ، كما انتقم من أمم الأنبياء في حياتهم ، فوقعت النقمة منهم بعد موته عليهالسلام في العين الحادثة في صدر الإسلام ، مع الخوارج وغيرهم. وقرىء : نرينك بالنون الخفيفة. ولما ردد تعالى بين حياته وموته صلىاللهعليهوسلم ، أمره بأن يستمسك بما أوحاه إليه. وقرأ الجمهور : أوحى مبنيا للمفعول ، وبعض قراء الشام : بإسكان الياء ، والضحاك : مبنيا للفاعل ، وأنه ، أي وإن ما أوحينا إليك ، (لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) : أي شرف ، حيث نزل عليهم وبلسانهم ، جعل تبعا لهم. والقوم على هذا قريش ثم العرب ، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد. كان عليهالسلام يعرض نفسه على القبائل ، فإذا قالوا له : لمن يكون الأمر بعدك؟ سكت ، حتى نزلت هذه الآية. فكان إذا سئل عن ذلك قال : «لقريش» ، فكانت العرب لا تقبل حتى قبلته الأنصار. وقال الحسن : القوم هنا أمّته ، والمعنى : وإنه لتذكرة وموعظة. قيل : وهذه الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسن الجميل ، ولو لم يكن ذلك مرغوبا فيه ، ما امتن به تعالى على رسوله فقال : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ). وقال إبراهيم عليهالسلام : (وَاجْعَلْ لِي
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٧٧.