والدواوين بعد احتراق السجلات ، وأرسل حملات لقمع حركات الخوارج في الجزيرة ، وحركات التمرد في بلاد الشام ومصر ، وبذلك عاد الاستقرار نسبيا إلى بغداد ، واطمأن أهلها ؛ ولكن هذا الاطمئنان لم يكن تاما ، فقد ظل فريق كبير لا يؤيده بمن في ذلك بعض كبار رجال الأسرة العباسية ممن كانوا يدعون إلى خلافة إبراهيم المهدي الذي كان ممن أيده ابن عائشة ، وهو من أحفاد إبراهيم الإمام ، كما أيده محمد بن إبراهيم الأفريقي ومالك بن شاهين ومؤيدوهم. وقد حاولوا إثارة الاضطراب وقاموا بإحراق بعض الأسواق ، فعلم المأمون بحركتهم وأعدم البغواري وسجن رؤساءهم ، ولكنه لم يعرض المؤيدين من القواد وغيرهم.
وكان كثير من أهل الحديث لا يؤيدون المأمون ، مما حمله في أواخر حكمه إلى مناصرة المعتزلة ، وعبّر عن ذلك بكتب أرسلها من دمشق إلى واليه على بغداد بإلزام الناس ، وفيهم كثير من المحدثين ، على القول بخلق القرآن (١).
ثم سار المأمون إلى بلاد الشام ومصر ، فدخل دمشق ثم الفسطاط ليؤصل أهلها ويمكّن الثقة في نفوسهم.
غير أن الاستقرار لم يكن استقرارا تاما ، فكانت الروم تهدد أطراف الدولة الشمالية ، وبابك يهيمن على المناطق الجبلية في أذربيجان ويتعاون مع الروم ، وكان الزط يعيثون بالأمن في جنوب العراق. فاهتم المأمون بأمر الروم وقاد بنفسه جيشا لقتالهم فأرهبهم تقدّمه ، ولكن المنية عاجلته قبل أن يحرز انتصارا حاسما عليهم.
وكان المأمون بعد وفاة علي الرضا قد أغفل معالجة مشكلة ولاية العهد التي كانت مصدر قلق يهدد تماسك الأسرة العباسية ، فلما شعر بدنو أجله عمل على معالجة هذه القضية ، وأعلن تعيينه لولاية العهد أخاه المعتصم ، على أن يتلوه ابنه العباس.
__________________
(١) أوسع وأقدم الكتب عن أعمال المأمون وأحواله ببغداد هو كتاب «بغداد» لطيفور الذي طبع منه الجزء المتعلق بسنوات مجيء المأمون بغداد إلى وفاته ويتلوه في الأهمية ما كتبه الطبري في تاريخه.