عليه فيما أخذه قبل التحريم ، واحتمل أن يكون قوله : ما سلف ، أي : ما تقدّم العقد عليه ، فلا فرق بين المقبوض منه وبين ما في الذمة ، وإنما يمنع إنشاء عقد ربوي بعد التحريم ، أزال تعالى هذا الاحتمال بأن أمر بترك ما بقي من الربا في العقود السابقة ، قبل التحريم ، وأن ما بقي في الذمة من الربا هو كالمنشأ بعد التحريم ، وناداهم باسم الإيمان تحريضا لهم على قبول الأمر بترك ما بقي من الربا ، وبدأ أولا بالأمر بتقوى الله ، إذ هي أصل كل شيء ، ثم أمر ثانيا بترك ما بقي من الربا.
وفتحت عين : وذروا ، حملا على : دعوا ، وفتحت عين : دعوا ، حملا على : يدع ، وفتحت في يدع ، وقياسها الكسر ، إذ لامه حرف حلق وقرأ الحسن : ما بقا ، بقلب الياء ألفا ، وهي لغة لطيء ، ولبعض العرب. وقال علقمة بن عبدة التميمي :
زها الشوق حتى ظل إنسان عينه |
|
يفيض بمغمور من الماء متأق |
وروي عنه أيضا أنه قرأ : ما بقي ، بإسكان الياء وقال الشاعر :
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقي |
|
على الأرض قيسيّ يسوق الأباعرا |
وقال جرير :
هو الخليفة فارضوا ما رضى لكم |
|
ماضي العزيمة ما في حكمه جنف |
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) تقدّم أنهم مؤمنون بخطاب الله تعالى لهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وجمع بينهما بأنه شرط مجازي على جهة المبالغة ، كما تقول لمن تريد إقامة نفسه : إن كنت رجلا فافعل كذا! قاله ابن عطية ، أو بأن المعنى : إن صح إيمانكم ، يعني أن دليل صحة الإيمان وثباثه امتثال ما أمرتم به من ذلك ، قاله الزمخشري ، وفيه دسيسه اعتزال ، لأنه إذا توقفت صحة الإيمان على ترك هذه المعصية فلا يجامعها الصحة مع فعلها ، وإذا لم يصح إيمانه لم يكن مؤمنا ، وهو مدعى المعتزلة. وقيل : ان بمعنى إذ أي إذ كنتم مؤمنين قاله مقاتل بن سليمان ، وهو قول لبعض النحويين ، أن : إن ، تكون بمعنى : إذ ، وهو ضعيف مردود ولا يثبت في اللغة ، وقيل : هو شرط يراد به الاستدامة ، وقيل : يراد به الكمال ، وكأن الإيمان لا يتكامل إذا أصرّ الإنسان على كبيرة ، وإنما يصير مؤمنا بالإطلاق إذا اجتنب الكبائر ، هذا وإن كانت الدلائل قد قامت على أن حقيقة الإيمان لا يدخل العمل في مسماها ، وقيل : الإيمان متغاير بحسب متعلقه ، فمعنى الأول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بألسنتهم. ومعنى الثاني : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بقلوبكم.