إذن أنا أكرمك ، وجاز توسطها نحو : أنا إذا أكرمك ، وتأخرها. وإذا تقرر هذا ، فجاءت إذا في الآية مؤكدة للجواب المرتبط بما تقدم ، وإنما قررت معناها هنا لأنها كثيرة الدور في القرآن ، فتحمل في كل موضع على ما يناسب من هذا الذي قررناه.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) : هم علماء اليهود والنصارى ، أو من آمن برسول الله صلىاللهعليهوسلم من اليهود ، كابن سلام وغيره ، أو من آمن به مطلقا ، أقوال. والكتاب : التوراة ، أو الإنجيل ، أو مجموعهما ، أو القرآن. أقوال تنبني على من المراد بالذين آتيناهم ، ولفظ آتيناهم أبلغ من أوتوا ، لإسناد الإيتاء إلى الله تعالى ، معبرا عنه بنون العظمة ، وكذا ما يجيء من نحو هذا ، مرادا به الإكرام نحو : هدينا ، واجتبينا ، واصطفينا. قيل : ولأن أوتوا قد يستعمل فيما لم يكن له قبول ، وآتيناهم أكثر ما يستعمل فيما له قبول نحو : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) (١) ، وإذ أريد بالكتاب أكثر من واحد ، فوحد ، لأنه صرف إلى المكتوب المعبر عنه بالمصدر.
(يَعْرِفُونَهُ) : جملة في موضع الخبر عن المبتدأ الذي هو الذين آتيناهم ، وجوز أن يكون الذين مجرورا على أنه صفة للظالمين ، أو على أنه بدل من الظالمين ، أو على أنه بدل من (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) في الآية التي قبلها ، ومرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين ، ومنصوبا على إضمار ، أعني : وعلى هذه الأعاريب يكون قوله : (يَعْرِفُونَهُ) ، جملة في موضع الحال ، إما من المفعول الأول في آتيناهم ، أو من الثاني الذي هو الكتاب ، لأن في يعرفونه ضميرين يعودان عليهما. والظاهر هو الإعراب الأول ، لاستقلال الكلام جملة منعقدة من مبتدأ وخبر ، ولظاهر انتهاء الكلام عند قوله : (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ). والضمير المنصوب في يعرفونه عائد على النبي صلىاللهعليهوسلم ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما. وروي عن ابن عباس ، واختاره الزجاج ، ورجحه التبريزي ، وبدأ به الزمخشري فقال : يعرفونه معرفة جلية ، يميزون بينه وبين غيره بالوصف المعين المشخص. قال الزمخشري وغيره : واللفظ للزمخشري ، وجاز الإضمار ، وإن لم يسبق له ذكر ، لأن الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع ، ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بأنه لشهرته وكونه علما معلوم بغير إعلام. انتهى. وأقول : ليس كما قالوه من أنه إضمار قبل الذكر : بل هذا من باب الالتفات ، لأنه قال تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٨٩.