الكاتمين ، ثم ذكر حال التائبين ، ثم ذكر حال من مات من غير توبة منهم. ولأنه لما ذكر أن الكاتمين ملعونون في الدنيا حال الحياة ، ذكر أنهم ملعونون أيضا بعد الممات. والجملة من قوله : (وَهُمْ كُفَّارٌ) ، جملة حالية ، وواو الحال في مثل هذه الجملة إثباتها أفصح من حذفها ، خلافا لمن جعل حذفها شاذا ، وهو الفراء ، وتبعه الزمخشري ، وبيان ذلك في علم النحو. والجملة من قوله : (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) خبر إن ، ولعنة الله مبتدأ ، خبره عليهم. والجملة من قوله : (عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) خبر عن أولئك. والأحسن أن يكون لعنة فاعلا بالمجرور قبله ، لأنه قد اعتمد بكونه خبرا لذي خبر ، فيرفع ما بعده على الفاعلية ، فتكون قد أخبرت عن أولئك بمفرد ، بخلاف الإعراب الأول ، فإنك أخبرت عنه بجملة.
وقرأ الجمهور : (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، بالجر عطفا على اسم الله. وقرأ الحسن : والملائكة والناس أجمعون ، بالرفع. وخرج هذه القراءة جميع من وقفنا على كلامه من المعربين والمفسرين على أنه معطوف على موضع اسم الله ، لأنه عندهم في موضع رفع على المصدر ، وقدروه : أن لعنهم الله ، أو : أن يلعنهم الله. وهذا الذي جوزوه ليس بجائز على ما تقرر في العطف على الموضع ، من أن شرطه أن يكون ثم طالب ومحرز للموضع لا يتغير ، هذا إذا سلمنا أن لعنة هنا من المصادر التي تعمل ، وأنه ينحل لأن والفعل. والذي يظهر أن هذا المصدر لا ينحل لأن والفعل ، لأنه لا يراد به العلاج. وكان المعنى : أن عليهم اللعنة المستقرة من الله على الكفار ، أضيفت إلى الله على سبيل التخصيص ، لا على سبيل الحدوث. ونظير ذلك : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١) ، ليس المعنى إلا أن يلعن الله على الظالمين ، وقولهم له ذكاء الحكماء. ليس المعنى هنا على الحدوث وتقدير المصدرين منحلين لأن والفعل ، بل صار ذلك على معنى قولهم : له وجه وجه القمر ، وله شجاعة شجاعة الأسد ، فأضفت الشجاعة للتخصيص والتعريف ، لا على معنى أن يشجع الأسد. ولئن سلمنا أنه يتقدر هذا المصدر ، أعني لعنة الله بأن والفعل ، فهو كما ذكرناه لا محرز للموضع ، لأنه لا طالب له. ألا ترى أنك لو رفعت الفاعل بعد ذكر المصدر لم يجز حتى تنون المصدر؟ فقد تغير المصدر بتنوينه ، ولذلك حمل سيبويه قولهم : هذا ضارب زيد غدا وعمرا ، على إضمار فعل : أي ويضرب عمرا ، ولم يجز حمله على موضع زيد لأنه لا محرز للموضع. ألا ترى أنك لو نصبت زيدا لقلت : هذا ضارب زيدا وتنون؟ وهذا أيضا على تسليم مجيء الفاعل مرفوعا بعد المصدر المنون ، فهي مسألة
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١٨.