وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره» ولم يصرح في الآية بالإيمان بالقدر ، لأن الإيمان بالكتاب يتضمنه ، ومضمون الآية : ان البرّ لا يحصل باستقبال المشرق والمغرب بل بمجموع أمور.
أحدها : الإيمان بالله ، وأهل الكتاب أخلوا بذلك ، أمّا اليهود فللتجسم ولقولهم : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) (١) وأمّا النصارى فلقولهم : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (٢).
الثاني : الإيمان بالله واليوم الآخر ، واليهود أخلوا به حيث قالوا : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً) (٣) والنصارى أنكروا المعاد الجسماني.
والثالث : الإيمان بالملائكة ، واليهود عادوا جبريل.
والرابع : الإيمان بكتب الله ، والنصارى واليهود أنكروا القرآن.
والخامس : الإيمان بالنبيين ، واليهود قتلوهم ، وكلا الفريقين من أهل الكتاب طعنا في نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
والسادس : بذل الأموال على وفق أمر الله ، واليهود ألقوا الشبه لأخذ الأموال.
والسابع : إقامة الصلاة والزكاة ، واليهود يمتنعون منها.
والثامن : الوفاء بالعهد ، واليهود نقضوه.
وهذا النفي السابق ، والاستدراك لا يحمل على ظاهرهما ، لأنه نفى أن يكون التوجه إلى القبلة برا ، ثم حكم بأن البرّ أمور.
أحدها : الصلاة ، ولا بدّ فيها من استقبال القبلة ، فيحمل النفي للبر على نفي مجموع البرّ ، لا على نفي أصله ، أي : ليس البر كله هو هذا ، ولكن البر هو ما ذكر ، ويحمل على نفي أصل البرّ ، لأن استقبالهم المشرق والمغرب بعد النسخ كان إثما وفجورا ، فلا يعدّ في البر ، أو لأن استقبال القبلة لا يكون برا إذا لم تقارنه معرفة الله تعالى ، وإنما يكون برا مع الإيمان وتلك الشرائط.
وقدم الملائكة والكتب على الرسل ، وإن كان الإيمان بوجود الملائكة وصدق الكتب لا يحصل إلّا بواسطة الرسل ، لأن ذلك اعتبر فيه الترتيب الوجودي ، لأن
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٣٠.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٣٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٨٠ ، وسورة آل عمران : ٣ / ٢٤.