الأيام التي أفطرت اجتزاء ، إذ المعلوم أنه لا يجب عليه عدة غير ما أفطر فيه مما صامه ، والعدة هي المعدود ، فكان التنكير أخصر و (مِنْ أَيَّامٍ) في موضع الصفة لقوله فعدة ، وأخر : صفة لأيام ، وصفة الجمع الذي لا يعقل تارة يعامل معاملة الواحدة المؤنثة وتارة يعامل معاملة جمع الواحدة المؤنثة. فمن الأول : (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) (١) ومن الثاني : (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) (٢) فمعدودات : جمع لمعدودة. وأنت لا تقول : يوم معدودة ، إنما تقول : معدود ، لأنه مذكر ، لكن جاز ذلك في جمعه ، وعدل عن أن يوصف الأيام بوصف الواحدة المؤنث ، فكان ، يكون : من أيام أخرى ، وإن كان جائزا فصيحا كالوصف بأخر لأنه كان يلبس أن يكون صفة لقوله (فَعِدَّةٌ) ، فلا يدرى أهو وصف لعدة ، أم لأيام ، وذلك لخفاء الإعراب لكونه مقصورا ، بخلاف : (أُخَرَ) فإنه نص في أنه صفة لأيام لاختلاف إعرابه مع إعراب فعدة ، أفلا ينصرف للعلة التي ذكرت في النحو ، وهي جمع أخرى مقابله أخر؟ وآخر مقابل أخريين؟ لا جمع أخرى لمعنى أخرة ، مقابلة الآخر المقابل للأول ، فإن أخر تأنيث أخرى لمعنى أخرة مصروفة. وقد اختلفا حكما ومدلولا. أما اختلاف الحكم فلأن تلك غير مصروفة ، وأما اختلاف المدلول : فلأن مدلول أخرى ، التي جمعها أخر التي لا تتصرف ، مدلول : غير ، ومدلول أخرى التي جمعها ينصرف مدلول : متأخرة ، وهي قابلة الأولى. قال تعالى : (قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) (٣) فهي بمعنى : الآخرة ، كما قال تعالى : (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) (٤) وأخر الذي مؤنثه : أخرى مفردة آخر التي لا تتصرف بمعنى : غير ، لا يجوز أن يكون ما اتصل به إلّا من جنس ما قبله ، تقول : مررت بك وبرجل آخر ، ولا يجوز : اشتريت هذا الفرس وحمارا آخر ، لأن الحمار ليس من جنس الفرس ، فأما قوله :
صلى على عزة الرحمان وابنتها |
|
ليلى ، وصلى على جاراتها الأخر |
فإنه جعل : ابنتها جارة لها ، ولو لا ذلك لم يجز ، وقد أمعنا الكلام على مسألة أخرى في كتابنا (التكميل).
قالوا : واتفقت الصحابة ومن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار على جواز الصوم للمسافر ، وأنه لا قضاء عليه إذا صام ، لأنهم ، كما ذكرنا ، قدروا حذفا في الآية ، والأصل :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٨٠.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٢٤.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٣٩.
(٤) سورة الليل : ٩٢ / ١٣.