واختلف في جريان الرّبا فيه ، فقال الشافعي : لا يجوز بيع الماء بالماء متفاضلا ، ولا يجوز فيه الأجل. وقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف : يجوز ذلك. وحكى ابن العربي : أن الصحيح من مذهب مالك جريان الرّبا فيه. وقال محمد بن الحسن : هو مما يكال ويوزن ، فعلى هذا لا يجوز عنده التفاضل.
وكأن قوله : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ) يدل ظاهره على مباشرة الشرب من النهر ، حتى لو أخذ بالكوز وشربه ، لا يكون داخلا في من شرب منه ، إذا لم يباشر الشرب من النهر ، وفي مذهب أبي حنيفة ، رحمهالله تعالى ، أنه إن قال إن شربت من القربة فعبدي حرّ ، يحمل على الكروع ، وإن اغترف منه ، أو شرب بإناء لم يحنث. قالوا : لأنه تعالى حظر الشرب من النهر ، وحظر مع ذلك أن يطعم منه ، واستثنى من الطعم منه الاغتراف ، فحظر الشرب باق ، ودل على أن الاغتراف ليس بشرب ، وأتى بقوله : (وَمَنْ لَمْ) معدّى لضمير الماء ، لا إلى النهر ، ليزيل ذلك الإبهام ، وليعلم أن المقصود هو المنع من وصولهم إلى الماء من النهر ، بمباشرة الشرب منه ، أو بواسطة.
قال ابن عطية : وفي قوله : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) سدّ الذرائع ، لأن أدنى الذوق يدخل في لفظ الطعم ، فإذا وقع النهي عن الطعم فلا سبيل إلى وقوع الشرب ممن يتجنب الطعم ، ولهذه المبالغة ، لم يأت الكلام : ومن لم يشرب منه ، انتهى كلامه.
(إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) هذا استثناء من الجملة الأولى ، وهي قوله : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) والمعنى : أن من اغترف غرفة بيده دون الكروع فهو مني ، والاستثناء إذا اعتقب جملتين ، أو جملا ، يمكن عوده إلى كل واحدة منها ، فإنه يتعلق بالأخيرة ، وهذا على خلاف في هذه المسألة مذكور في علم أصول الفقه ، فإن دل دليل على تعلقها ببعض الجمل كان الاستثناء منه ، وهنا دل الدليل على تعلقها بالجملة الأولى ، وإنما قدمت الجملة الثانية على الاستثناء من الأولى لأن الجملة الثانية تدل عليها الأولى بالمفهوم ، لأنه حين ذكر أن الله يبتليهم بنهر ، وأن من شرب منه فليس منه ، فهم من ذلك أن من لم يشرب منه فإنه منه ، فصارت الجملة الثانية كلّا فصل بين الأولى والاستثناء منها إذا دلت عليها الأولى ، حتى إنها لو لم يكن مصرحا بها لفهمت من الجملة الأولى ، وقد وقع في بعض التصانيف ما نصه : إلّا من اغترف. استثناء من الأولى ، وإن شئت جعلته استثناء من الثانية. انتهى. ولا يظهر كونه استثناء من الجملة الثانية لأنه حكم على أن : من لم يطعمه فانه منه ، فيلزم في