(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (١) ، وكما ترى النائم على هيئة ، وهو يرى في منامه ما ينعم به أو يتألم به. ونقل السهيلي في كتاب (دلائل النبوّة) من تأليفه ، حكاية عن بعض الصحابة ، أنه حفر في مكان ، فانفتحت طاقة ، فإذا شخص جالس على سرير وبين يديه مصحف يقرأ فيه وأمامه روضة خضراء ، وذلك بأحد ، وعلم أنه من الشهداء ، لأنه رأى في صفحة وجهه جرحا. وإذا ثبت أن الشهداء أحياء ، إما أرواحهم ، وإما أجسادهم وأرواحهم ، فاختلف في مستقرها. فقيل : قبورهم يرزقون فيها. وقيل : في قباب بيض في الجنة يرزقون فيها ، قاله أبو بشار السلمي. وقيل : في طير بيض تأكل من ثمار الجنة ومساكنهم سدرة المنتهى ، قاله قتادة. وقيل : يأكلون من ثمر الجنة ويجدون ريحها ، وليسوا فيها ، قاله مجاهد. وروي عن ابن عباس ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الشهداء على نهر بباب الجنة في قبة خضراء». وروي : في روضة خضراء يجري عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا. وروي عنه صلىاللهعليهوسلم : «أن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر الجنة ، وأنهم في قناديل من ذهب ، وأنهم في قبة خضراء». وإذا صح ذلك ، فهي أحوال لطوائف من الشهداء ، أو في أوقات مختلفة. والجمهور : على أنهم في الجنة ، ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم لأم حارثة : «إنهم في الفردوس». ومذهب أهل السنة : أن الأرواح لا تفنى ، وأنها باقية بعد خروجها من البدن. فأرواح أهل السعادة منعمة إلى يوم الدين ، وأرواح أهل الشقاوة معذبة إلى يوم الدّين.
والفرق بين الشهيد وغيره من المؤمنين إنما هو الرّزق ، فضلهم الله بذلك ، وقال تعالى في حق الكفار : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٢). وقال الحسن : الشهداء أحياء عند الله ، تعرض أرزاقهم على أرواحهم ، فيصل إليهم الروح والفرح ، كما تعرض النار على آل فرعون غدوة وعشيا ، فيصل إليهم الوجع. وقالوا : يجوز أن يجمع الله من أجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل إليها النعيم ، وإن كانت في حجم الذرة. ولم تتعرض الآية الكريمة لرزق أرواح الشهداء ولا لمستقرّها ، وإنما جرى ذكر ذلك على سبيل الاستطراد ، اتباعا للمفسرين ، حيث تكلموا في ذلك في هذه الآية ، وإلا فمظنة الكلام على ذلك في قوله : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٣) ، حيث ذكر العندية والرزق ، وظاهر
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٨٨.
(٢) سورة غافر : ٤٠ / ٤٦.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٦٩.