ويحذر تجب صيانة اسمه وتنزيهه عما لا يليق به من كونه يذكر في كل ما يحلف عليه ، من قليل أو كثير ، عظيم أو حقير ، لأن كثرة ذلك توجب عدم الاكتراث بالمحلوف به.
وقد تكون المناسبة بأنه تعالى لما أمر المؤمنين بالتحرز في أفعالهم السابقة من : الخمر ، والميسر ، وإنفاق العفو ، وأمر اليتامى ، ونكاح من أشرك ، وحال وطء الحائض ، أمرهم تعالى بالتحرز في أقوالهم ، فانتظم بذلك أمرهم بالتحرز في الأفعال والأقوال.
واختلفوا في فهم هذه الجملة من قوله (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) وهو خلاف مبني على الاختلاف في اشتقاق العرضة ، فقيل : نهوا عن أن يجعلوا الله معدا لايمانهم فيحلفوا به في البر والفجور ، فإن الحنث مع الإكثار فيه قلة رعي بحق الله تعالى ، كما روي عن عائشة أنها نزلت في تكثير اليمين بالله ، نهى أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا؟ وقد ذم الله من أكثر الحلف بقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (١) وقال : (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) (٢). والعرب تمدح بالإقلال من الحلف قال كثير :
قليل الألايا حافظ ليمينه |
|
إذا صدرت منه الألية برت |
والحكمة في النهي عن تكثير الأيمان بالله أن ذلك لا يبقى لليمين في قلبه وقعا ، ولا يؤمن من إقدامه على اليمين الكاذبة ، وذكر الله أجل من أن يستشهد به في الأعراض الدنيوية.
وقيل : المعنى : ولا تجعلوا الله قوة لأيمانكم ، وتوكيدا لها ، وروي عن قريب من هذا المعنى عن : ابن عباس ، وابراهيم ، ومجاهد ، والربيع ، وغيرهم قال : المعنى : فيما تريدون الشدة فيه من ترك صلة الرحم ، والبر والإصلاح ، وقيل : المعنى : ولا تجعلوا الله حاجزا ومانعا من البر والإصلاح ، ويؤكده قول من قال : نزلت في عبد الله بن رواحة ، أو في أبي بكر على ما تقدم في سبب النزول ، فيكون المعنى : أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة رحم ، وإصلاح ذات بين ، أو إحسان الى أحد ، أو عبادة ، ثم يقول : أخاف الله أن أحنث في يميني ، فيترك البر في يمينه ، فنهوا أن يجعلوا الله حاجزا لما حلفوا عليه.
(لِأَيْمانِكُمْ) تحتمل اللام أن تكون متعلقة ، بعرضة ، فتكون كالمقوية للتعدي ، أو معدا ومرصدا لأيمانكم ، ويحتمل أن تكون متعلقة بقوله : (وَلا تَجْعَلُوا) فتكون للتعليل ، أي : لا تجعلوا الله عرضة لأجل أيمانكم.
__________________
(١) سورة القلم : ٦٨ / ١٠.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٨٩.