تخالف سائر العرب ، فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة ، وكانوا يقدمون الحج سنة ويؤخرونه سنة ، وهو النسيء ، فرد إلى وقت واحد ، ورد الوقوف إلى عرفة ، فأخبر الله تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج.
واستدل على أن المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال ، بقوله عليهالسلام : «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمّه» ، وأنه لم يذكر الجدال. انتهى كلامه. وفيه تعقبات.
الأول : تأويله على أبي عمرو ، وابن كثير أنهما حملا الأولين على معنى النهي بسبب الرفع والثالث على الإخبار بسبب البناء ، والرفع والبناء لا يقتضيان شيئا من ذلك ، بل لا فرق بين الرفع والبناء في أن ما كانا فيه كان مبنيا ، وأما أن الرفع يقتضي النهي ، والبناء يقتضي الخبر فلا ، ثم قراءة الثلاثة بالرفع وقراءتها كلها بالبناء يدل على ذلك ، غاية ما فرق بينهما أن قراءة البناء نص على العموم ، وقراءة الرفع مرجحة له ، فقراءتهما الأوّلين بالرفع والثالث بالبناء على الفتح إنما ذلك سنة متبعة إذا لم يتأد ذلك إليهما إلّا على هذا الوجه من الوجوه الجائزة في العربية في مثل هذا التركيب.
الثاني : قوله : كأنه قيل : ولا شك ولا خلاف في الحج ، وترشيح ذلك بالتاريخ الذي ذكره بهذا التفسير مناقض لما شرح هو به الجدال ، لأنه قال قبل : ولا جدال ولا مراء مع الرفقاء والخدم والمكارين. وهذا التفسير في الجدال مخالف لذلك التفسير.
الثالث : أن التاريخ الذي ذكره هو قولان في تفسير : ولا جدال ، للمتقدمين. اختلافهم : في الموقف : لابن زيد ، ومالك ، والنسيء : لمجاهد ، فجعلهما هو شيئا واحدا سببا للإخبار أن لا جدال في الحج.
الرابع : قوله واستدل على أن المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال إلى آخر كلامه ، ولا دليل في ذلك ، لأن الجدال إن كان من باب المحظور فقد اندرج في قوله : (وَلا فُسُوقَ) لعمومه ، وإن كان من باب المكروه وترك الأولى ، فلا يجعل ذلك شرطا في غفران الذنوب ، فلذلك رتب صلىاللهعليهوسلم غفران الذنوب على النهي عن ما يفسد الحج من المحظور فيه ، الجائز في غير الحج ، وهو الجماع المكني عنه بالرفث ؛ ومن المحظور الممنوع منه مطلقا في الحج وفي غيره ، وهو معصية الله المعبر عنها بالفسوق ، وجاء قوله : ولا جدال ، من باب التتميم لما ينبغي أن يكون عليه الحاج ، من : إفراغ أعماله للحج ،