يباشر عليها ، ولا تعكسوا ، والمراد وجوب توطئ النفوس وربط القلوب على أن جميع أفعال الله حكمة وصواب من غير اختلاج شبهة ، ولا اعتراض شك في ذلك ، حتى لا يسأل عنه لما في السؤال من الاتهام بمفارقة الشك (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (١). انتهى كلامه.
وحكى هذا القول مختصرا ابن عطية ، فقال : وقال غير أبي عبيدة : ليس البرّ أن تشذوا في الأسئلة عن الأهلة وغيرها ، فتأتون الأمور على غير ما تحب الشرائع ، أنه كنى بالبيوت عن النساء ، الإيواء اليهنّ كالإيواء إلى البيوت ، ومعناه : لا تأتوا النساء من حيث لا يحل من ظهورهنّ ، وآتوهنّ من حيث يحل من قبلهنّ. قاله ابن زيد ، وحكاه مكي ، والمهدوي عن ابن الأنباري.
وقال ابن عطية : كونه في جماع النساء بعيد مغير نمط الكلام ، انتهى.
والباء في : بان تأتوا زائدة في خبر ليس ، وبأن تأتوا ، خبر ليس ، ويتقدّر بمصدر ، وهو من الإخبار بالمعنى عن المعنى ، وبالأعرف عما دونه في التعريف ، لأن : أن وصلتها ، عندهم بمنزلة الضمير.
وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، والكسائي ، وقالون ، وعباس ، عن أبي عمرو ؛ والعجلي عن حمزة ؛ والشموني عن الأعشى ، عن أبي بكر : البيوت ، بالكسر حيث وقع ذلك لمناسبة الياء ، والأصل هو الضم لأنه على وزن فعول ، وبه قرأ باقي السبعة و : من ، متعلقة : بتأتوا ، وهي لابتداء الغاية ، والضمير في : أبوابها ، عائد على البيوت. وعاد كضمير المؤنث الواحدة ، لأن البيوت جمع كثرة ، وجمع المؤنث الذي لا يعقل فرق فيه بين قليله وكثيره ، فالأفصح في قليله أن يجمع الضمير ، والأفصح في كثيره أن يفرد. كهو في ضمير المؤنث الواحدة ، ويجوز العكس. وأما جمع المؤنث الذي يعقل فلم تفرق العرب بين قليله وكثيره ، والأفصح أن يجمع الضمير. ولذلك جاء في القرآن : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) (٢) ونحوه ، ويجوز أن يعود كما يعود على المؤنث الواحد وهو فصيح.
(وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) التأويلات التي في قوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) (٣) سائغة
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٢٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٨٦.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٧٧.