المساقات تجوز على الأجل المجهول سنين غير معلومة ، ودليل على من أجاز البيع إلى الحصاد أو الدراس أو للغطاس وشبهه وهو : مالك ، وأبو ثور ، وأحمد ؛ وكذلك إلى قدوم الغزاة وروي عن ابن عباس منعه ، وبه قال الشافعي ، ودليل على عدم اعتبار وصف الهلال بالكبر أو الصغر لأنه يقال : ما فصل ، فسواء رئي كبيرا أو صغيرا ، فإنه لليلة التي رئي فيها.
(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى). قال البراء بن عازب ، والزهري ، وقتادة : سبب نزولها أن الأنصار كانوا إذا حجوا واعتمروا يلتزمون شرعا أن لا يحول بينهم وبين السماء حائل ، فكانوا يتسنمون ظهور بيوتهم على الجدران ، وقيل : كانوا في الجاهلية وفي بدء الإسلام إذا أحرم أحدهم بحج أو عمرة لم يأت حائطا ، ولا بيتا ، ولا دارا من بابه ، فإن كان من أهل المدينة نقب في ظهر بيته نقبا بدخل منه ويخرج ، أو ينصب سلما ، يصعد منه ، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ، ولا يدخل ولا يخرج من الباب حتى يحل إحرامه ، ويرون ذلك برا إلّا أن يكون ذلك من الحمس ، وهم : قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وثقيف ، وخثعم ، وبنو عامر بن صعصعة ، وبنو نصر بن معاوية. فدخل النبي صلىاللهعليهوسلم ومعه رجل منهم ، فوقف ذلك الرجل وقال : إني أحمس ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «وأنا أحمس». فنزلت. ذكر هذا مختصرا السدي.
وروى الربيع أن النبي صلىاللهعليهوسلم دخل وخلفه رجل من الأنصار ، فدخل وخرق عادة قومه ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «لم دخلت وأنت قد أحرمت»؟ قال : دخلت أنت فدخلت بدخولك. فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : «إني أحمس ، إني من قوم لا يدينون بذلك». فقال الرجل : وأنا ديني دينك فنزلت.
وقال إبراهيم : كان يفعل ما ذكر قوم من أهل الحجاز ، وقيل : كان الخارج لحاجة لا يعود من بابه مخافة التطير بالخيبة ، ويبقى كذلك حولا كاملا.
وملخص هذه الأسباب أن الله تعالى أنزل هذه الآية رادا على من جعل إتيان البيوت من ظهورها برا ، آمرا بإتيان البيوت من أبوابها ، وهذه أسباب تضافرت على أن البيوت أريد بها الحقيقة ، وأن الإتيان هو المجيء إليها ، والحمل على الحقيقة أولى من ادعاء المجاز مع مخالفة ما تضافرت من هذه الأسباب.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر أن الأهلة مواقيت للحج استطرد إلى ذكر شيء كانوا يفعلونه في الحج زاعمين أنه من البر ، فبين لهم أن ذلك ليس من البر ، وإنما جرت