(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ) أي : مثل ذلك البيان الذي سبق ذكره في ذكر أحكام الصوم وما يتعلق به في الألفاظ اليسيرة البليغة يبين آياته الدالة على بقية مشروعاته ، وقال أبو مسلم : المراد بالآيات : الفرائض التي بينها ، كأنه قال كذلك يبين الله للناس ما شرعه لهم ليتقوه بأن يعملوا بما أنزل. انتهى كلامه. وهذا لا يتأتى إلّا على اعتقاد أن تكون الكاف زائدة وأما إن كانت للتشبيه فلا بد من مشبه ومشبه به.
(لِلنَّاسِ) : ظاهره العموم وقال ابن عطية : معناه خصوص فيمن يسره الله للهدى ، بدلالة الآيات التي يتضمن (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) (١) انتهى كلامه ولا حاجة إلى دعوى الخصوص ، بل الله تعالى يبين آياته للناس ويوضحها لهم ، ويكسيها لهم حتى تصير حلية واضحة ، ولا يلزم من تبينها تبين الناس لها ، لأنك تقول : بينت له فما بين ، كما تقول : علمته فما تعلم.
ونظر ابن عطية إلى أن معنى يبين ، يجعل فيهم البيان ، فلذلك ادّعى أن المعنى على الخصوص ، لأن الله تعالى كما جعل في قوم الهدى ، جعل في قوم الضلال ، فعلى هذا المفهوم يلزم أن يرد الخصوص على ما قررناه يبقى على دلالته الوضعية من العموم ، وعلى تفسيرنا التبيين يكون ذلك إجماعا منا ومن المعتزلة ، وعلى تفسيره ينازع فيه المعتزلين.
(لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) قد تقدم أنه حيث ذكر التقوى فإنه يكون عقب أمر فيه مشقة ، وكذلك جاء هنا لأن منع الإنسان من أمر مشتهى بالطبع اشتهاء عظيما بحيث هو ألذ ما للإنسان من الملاذ الجسمانية شاق عليه ذلك ولا يحجزه عن معاطاته إلّا التقوى ، فلذلك ختمت هذه الآية بها أي : هم على رجاء من حصول التقوى لهم بالبيان الذي بين الله لهم.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) قال مقاتل : نزلت في امرئ القيس بن عابس الكندي ، وفي عدان بن أشوع الحضرمي اختصما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أرض ، وكان امرؤ القيس المطلوب ، وعدان الطالب ، فأراد امرؤ القيس أن يحلف ، فنزلت ، فحكم عدان في أرضه ولم يخاصمه.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، وذلك أن من يعبد الله تعالى بالصيام فحبس نفسه عما تعوّده من الأكل والشرب والمباشرة بالنهار ، ثم حبس نفسه بالتقييد في مكان تعبد الله تعالى صائما له ، ممنوعا من اللذة الكبرى بالليل والنهار جدير أن لا يكون مطعمه ومشربه
__________________
(١) سورة الرعد : ١٢ / ٢٧ ، وسورة فاطر : ٣٥ / ٨.