الأنفس ، وذهب مالك ، والأوزاعي ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، والليث ، والشافعي ، وابن شبرمة في رواية إلى أن القصاص واقع فيما بين الرجال والنساء في النفس وما دونها ، إلّا أن الليث قال : إذا جنى الرجل على امرأته عقلها ولا يقتص منه.
وأعرب هذه الجمل مبتدأ وخبر ، وهي ذوات ابتدئ بها ، والجار والمجرور أخبار عنها ، ويمتنع أن يكون الباء ظرفية ، فليس ذلك على حدّ قولهم : زيد بالبصرة ، وإنما هي للسبب ، ويتعلق بكون خاص لا بكون مطلق ، وقام الجار مقام الكون الخاص لدلالة المعنى عليه ، إذ الكون الخاص لا يجوز حذفه إلّا في مثل هذا ، إذ الدليل على حذفه قوي إذ تقدّم القصاص في القتلى ، فالتقدير : الحر مقتول بالحر ، أي : بقتله الحر ، فالباء للسبب على هذا التقدير ، ولا يصح تقدير العامل كونا مطلقا ، ولو قلت : الحر كائن بالحر ، لم يكن كلاما إلّا إن كان المبتدأ مضافا قد حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فيجوز ، والتقدير : قتل الحر كائن بالحر ، أي : بقتل الحر ، ويجوز أن يكون الحر مرفوعا على إضمار فعل يفسره ما قبله ، التقدير : يقتل الحر بقتله الحر ، إذ في قوله : (الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) دلالة على هذا الفعل.
(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ) قال علماء التفسير : معنى ذلك أن أهل التوراة كان لهم القتل ولم يكن لهم غير ذلك ، وأهل الإنجيل كان لهم العفو ولم يكن لهم قود ، وجعل الله لهذه الأمة لمن شاء القتل ، ولمن شاء أخذ الدية ، ولمن شاء العفو.
وقال قتادة : لم تحل الدية لأحد غير هذه الأمة ، وروي أيضا عن قتادة : أن الحكم عند أهل التوراة كان القصاص أو العفو. ولا أرش بينهم ، وعند أهل الإنجيل الدية والعفو لا أرش بينهم ، فخير الله هذه الأمة بين الخصال الثلاث.
وارتفاع : من ، على الابتداء وهي شرطية أو موصولة ، والظاهر أن : من ، هو القاتل والضمير في (لَهُ) و (مِنْ أَخِيهِ) عائد عليه ، (وَشَيْءٍ) : هو المفعول الذي لم يسم فاعله ، وهو معنى المصدر ، وبني عفا ، للمفعول ، وإن كان لازما ، لأن اللازم يتعدى إلى المصدر كقوله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (١) والأخ هو المقتول ، أي : من دم أخيه أو ولي الدم ، وسماه أخا للقاتل اعتبارا بأخوة الإسلام ، أو استعطافا له عليه ، أو لكونه
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ١٣.