فارتفع المجاز بقوله : (مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ) ، أي ما صرفهم ، والضمير عائد على النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمؤمنين عن قبلتهم. أضاف القبلة إليهم لأنهم كانوا استقبلوها زمنا طويلا ، فصحت الإضافة.
وأجمع المفسرون على أن هذه التولية كانت من بيت المقدس إلى الكعبة. هكذا ذكر بعض المفسرين ، وليس ذلك إجماعا ، بل قد ذهب قوم إلى أن هذه القبلة ، التي عيب التحول منها إلى غيرها هي الكعبة ، وأنه كان يصلي إليها عند ما فرضت الصلاة ، لأنها قبلة أبيه إبراهيم. فلما توجه إلى بيت المقدس ، قال أهل مكة ، زارّين عليه وعائبين ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، هذا على حذف مضاف ، أي على استقبالها. والاستعلاء هنا مجاز ، وحكمته الهم لمواظبتهم على امتثال أمر الله في المحافظة على الصلوات. صارت القبلة لهم كالشيء المستعلى عليه ، الملازم دائما. وفي وصف القبلة بقوله : (الَّتِي كانُوا عَلَيْها) ، ما يدل على تمكن استقبالها ، وديمومتهم على ذلك. والضمير في قوله : قبلتهم وكانوا ، ضمير المؤمنين. وقيل : يحتمل أن يكون الضمير عائدا على السفهاء ، فإنهم كانوا لا يعرفون إلا قبلة اليهود ، وهي إلى المغرب ، وقبلة النصارى ، وهي إلى المشرق ، والعرب لم يكن لهم صلاة ، فيتوجهون إلى شيء من الجهات. فلما توجه نحو الكعبة ، استنكروا ذلك فقالوا : كيف يتوجه إلى غير هاتين الجهتين المعروفتين؟ واختلفوا في استقبال بيت المقدس ، أكان بوحي متلوّ؟ أو بأمر من الله غير متلو؟ أو بتخيير الله رسوله في النواحي؟ فاختار بيت المقدس ، قاله الربيع ؛ أو باجتهاده بغير وحي ، قاله الحسن وعكرمة وأبو العالية. أقوال : الأول : عن ابن عباس ، روي عنه أنه قال : أول ما نسخ من القرآن القبلة : وكذلك اختلفوا في المدة التي صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها إلى بيت المقدس ، فقيل : ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا. وقيل : تسعة ، أو عشرة أشهر. وقيل : ثلاثة عشر شهرا. وقيل : من وقت فرض الخمس وائتمامه بجبريل ، إثر الإسراء ، وكان ليلة سبع عشرة من ربيع الآخر ، قبل الهجرة بسنة ، ثم هاجر في ربيع الأول ، وتمادى يصلي إلى بيت المقدس ، إلى رجب من سنة اثنتين. وقيل : إلى جمادى. وقيل : إلى نصف شعبان. وروي أنه صلىاللهعليهوسلم صلى ركعتي الظهر ، فانصرف بالآخرتين إلى الكعبة ، وقد استدل بهذه الآية على جواز نسخ السنة بالقرآن ، إذ صلاته إلى بيت المقدس ليس فيها قرآن ، واستدل بها أيضا على بطلان قول من يزعم أن النسخ بداء.
(قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) : الأمر متوجه للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وفيه تعليم له صلىاللهعليهوسلم كيف يبطل