وحضر مع السّلطان أبي الحسن ، واقعة القيروان ، (١) وخلص معه إلى تونس ، وأقام بها نحوا من سنتين. وانتقض (٢) المغرب على السّلطان ، واستقلّ به ابنه أبو عنان. ثم ركب (السّلطان (٣)) أبو الحسن في أساطيله من تونس آخر سنة خمسين ، (٤) ومر ببجاية ، فأدركه الغرق في سواحلها ، فغرقت أساطيله ، وغرق أهله ، وأكثر من كان معه من هؤلاء الفضلاء وغيرهم. وألقاه البحر ببعض الجزر هناك ، حتى استنفذه منه بعض أساطيله ، ونجا إلى الجزائر بعد أن تلف موجوده ، وهلك الكثير من عياله وأصحابه ، وكان من أمره ما مرّ في أخباره.
وأمّا الآبلي (٥) واسمه محمد بن إبراهيم ، فمنشؤه بتلمسان ، وأصله من جالية الأندلس ، من أهل آبلة ، (٦) من بلاد الجوف (٧) منها ، أجاز أبوه وعمه أحمد ،
__________________
(١) واقعة القيروان هذه كانت سنة ٧٤٩ ، وقد تغلب فيها الكعوب من بني سليم على السّلطان أبي الحسن. انظر تاريخ ابن خلدون ٧ / ٢٧٧.
(٢) انظر تاريخ ابن خلدون ٧ / ٢٧٧ ، ٢٨٠.
(٣) الزيادة عن ط.
(٤) في الجذوة ص ١٤٣ : أن الغرق حدث في سنة ٧٤٩ ، ثم حكى بصيغة «قيل» : القول بأنه كان في سنة ٠٥٧. وانظر تفصيل هذا الحادث في العبر ٧ / ٢٨٤.
(٥) محمد بن إبراهيم الآبلى هذا ، من أخص أساتذة ابن خلدون ، وهو ـ فيما تحدثت به المراجع ـ عالم ذو مكانة بعيدة المدى في الثقافة الإسلامية بالمغرب.
اقرأ ترجمته في جذوة الاقتباس ص ١٤٤ ، ١٩١ ، نيل الابتهاج ٢٤٥ ، الدرر الكامنة ٣ / ٢٨٨ ، البستان ٢١٤.
(٦) آبلةAvila) عرضها الشمالي ٣٩ ـ ٤٠ ، وطولها الغربي ٤٤ ـ ٤) : مدينة في الشمال الغربي لمقاطعة مدريد من إقليم آبلة. وهي ، كما قيدها ابن خلدون ، بهمزة مفتوحة ممدودة ، وباء موحدة مكسورة ؛ وقد نص على كسر الباء ابن حجر في الدرر الكامنة (٣ / ٢٨٨).
وما في تاج العروس من أن الآبلى ، منسوب إلى آبل ، بضم الباء ، خطأ ؛ والغريب أنه نقل ترجمته عن ابن حجر الذي نص على أنه بكسر الباء.
(٧) المراد بالجوف ؛ الشمال في لغة المغاربة والأندلسيين. تاريخ ابن خلدون ٤ / ١٧٩ ، ١٨٣ ، الاستقصا ٢ / ٨٧.