واكتملت الأحكام تلو
هذه الأحوال والتطورات.
فهذه الشرائع ( مع اختلافها في بعض
الفروع والأحكام نظراً إلى الأحوال الاُممية والشؤون الجغرافية ) لا تختلف في
اُصولها ولبابها ، بل كلها تهدف إلى أمر واحد ، وتسوق المجتمع إلى هدف مفرد ،
والاختلاف إنّما هو في الشريعة والمنهاج لا في المقاصد والغايات كما قال سبحانه : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن
لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ
) ( المائدة ـ
٤٨ ) .
وقال سبحانه : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ
مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
) ( الجاثية ـ
١٨ ).
وخلاصة القول : إنّ السنن مختلفة ،
للتوراة شريعة ، وللانجيل شريعة ، وللقرآن شريعة ولكن الدين هو الاُصول والعقائد
والأحكام التي تساير الفطرة الإنسانية ولا تخالفها ، واحد.
وهاتان الآيتان لا تهدفان إلى اختلاف
الشرائع في جميع موادها ، ومواردها اختلافاً كلّياً بحيث يكون من النسبة بينها
نسبة التباين ، كيف وهو سبحانه يأمر نبيّه بالاقتداء بهدى أنبيائه السالفين ويقول
: ( أُولَٰئِكَ
الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ
) ( الأنعام ـ
٩٠ ).
وتخصيص الاقتداء بالتبعية لسننهم
وسيرتهم في دعوة أقوامهم إلى الدين والصبر على أذاهم كما في قوله سبحانه : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ
الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ
) ( الأحقاف ـ
٣٥ ) تخصيص بلا وجه.
فالقول باختلاف الشرائع وتباينها في
جميع الموارد لا يرتضيه القرآن والقول باتحاد الشرائع باطل بالضرورة قال سبحانه : ( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ
نَاسِكُوهُ فَلا
__________________