نعم ورد في بعض المأثورات حول تفسير الاُمّي انتسابه إلى اُم القرى ، وسوف نرجع إلى هذه الروايات بالإيراد والمناقشة في اسنادها ومضامينها.
٢. ما اختاره الدكتور عبد اللطيف الهندي في مقاله المومى إليه فقال : الاُمّي من لم يعرف المتون العتيقة السامية ، ولم ينتحل إلى ملّة أو كتاب من الكتب السماوية والشاهد عليه أنّ الله جعل الاُمّي في الكتاب العزيز ، مقابل أهل الكتاب فيستظهر منه أنّ المراد منه هي الاُمّة العربية الجاهلة بما في زبر الأوّلين من التوراة والانجيل غير منتحلة إلى دين أو ملة لا من لا يقدر على التلاوة والكتابة.
أقول : ما ذكره الدكتور زلّة وعثرة لا تستقال فإنّ اطلاق الاُمّيين على العرب المشركين ليس « بسبب جهلهم بالمتون السامية ، وإن كانوا عارفين بلسان قومهم قادرين على تلاوته وكتابته » كما حسبه الدكتور ، بل بسبب جهلهم بقراءة لغتهم وكتابتها لأنّ الثقافة العربية بمعنى قراءة اللغة العربية وكتابتها ، كانت متدهورة في العصر الجاهلي وكانت الاُمّية هي السائدة ولا يسودهم في تلكم الظروف شيء غيرها وكانت القدرة على القراءة والكتابة محصورة في ثلّة قليلة لا يتجاوز أفرادها عدد الأصابع.
فهذا الإمام البلاذري أتى « في فتوح بلدانه » بأسماء الذين كانوا عارفين بالقراءة والكتابة في العهد الجاهلي فما تجاوزت عدتهم عن سبعة عشر رجلاً في « مكة » وعن أحد عشر نفراً في « يثرب » وقال : اجتمع ثلاثة نفر من طي ب « بقة » وهم مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة ، وعامر بن جدرة فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية ، فتعلّمه منهم قوم من أهل الأنبار ثم تعلّمه أهل الحيرة من أهل الأنبار وكان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجن الكندي ، ثم السكوني صاحب دومة الجندل ، يأتي الحيرة فيقيم بها الحين وكان نصرانياً فتعلم « بشر » الخط العربي من أهل الحيرة ثمّ أتى مكة في بعض شأنه فرآه سفيان بن اُمية بن عبد شمس وأبو قيس بن عبد