التسليم لله في فرائضه وعزائمه وحده.
ولأجل ذلك كتب الرسول إلى قيصر عندما دعاه إلى الإسلام ، قوله سبحانه : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (١).
وقد أمر سبحانه في آية اُخرى رسوله بدعوة معشر اليهود أو الناس جميعاً إلى اتباع ملّة إبراهيم ، قال سبحانه : ( فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ ) ( آل عمران ـ ٩٥ ).
وصرّح سبحانه بأنّ كلّ نبي جاء عقب نبي آخر ، كان يصرّح بأنّه مصدّق بوجود ذلك النبي المتقدم عليه وكتابه ودينه ، فالمسيح مصدّق لما بين يديه من التوراة ومحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم مصدّق لما بين يديه من الكتب وكتابه مهيمن عليه ، كما قال سبحانه : ( وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ) ، ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ) ( المائدة : ٤٦ ، ٤٨ ).
وهذه النصوص كلّها تعبّر عن وحدة اُصول الشرائع وجذورها ولبابها.
وعلى هذه فرسالة السماء إلى الأرض ، رسالة واحدة في الحقيقة مقولة بالتشكيك ، متكاملة عبر القرون ، جاءت بها الرسل طوال الأجيال ، وكلّهم يحملون إلى المجتمع البشري رسالة واحدة لتصعد بهم إلى مدارج الكمال ، وتهديهم إلى معالم الهداية ومكارم الأخلاق.
نعم كان البشر في أوّليات حياتهم يعيشون في غاية البساطة والسذاجة ، فما كانت لهم دولة تسوسهم ، ولا مجتمع يخدمهم ولا ذرائع تربطهم ، وكانت أواصر الوحدة ووشائج الارتباط بينهم ضعيفة جداً ، فلأجل ذاك القصور في العقل ، وقلة التقدم ، وضعف الرقي ، كانت تعاليم أنبيائهم ، والأحكام المشروعة لهم ، طفيفة في غاية البساطة ، فلما أخذت الانسانية بالتقدم والرقي ، وكثرت المسائل يوماً فيوماً ، اتسع نطاق الشريعة
__________________
(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧٥ ، مسند أحمد ج ١ ص ٢٦٢.