وقيل لعمرو بن العاص : ما أبطأ بك عن الإسلام ، أنت أنت في عقلك؟ فقال : إنّا كنا مع قوم لهم علينا تقدم ، وسنّ ، توازى حلومهم الجبال ، ما سلكوا فجّا فتبعناهم إلّا وجدناه سهلا ، فلما أنكروا على النبي صلىاللهعليهوسلم أنكرنا معهم ، ولم نفكر في أمرنا ، وقلّدناهم ، فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا ، نظرنا في أمر النبي صلىاللهعليهوسلم وتدبّرنا فإذا الأمر بيّن ، فوقع في قلبي الإسلام ، فعرفت قريش ذلك في إبطائي عما كنت أسرع فيه من عونهم على أمرهم ، فبعثوا إليّ فتى منهم ، فقال : أبا عبد الله ، إن قومك قد ظنّوا بك الميل إلى محمّد ، فقلت له : يا ابن أخي إن كنت تحبّ أن تعلم ما عندي ، فموعدك الظل من حراء ، فالتقينا هناك ، فقلت : إنّي أنشدك الله الذي هو ربّك وربّ من قبلك ومن بعدك ، أنحن أهدى أم فارس والروم؟ قال : اللهم ، بل نحن ، فقلت : أفنحن أوسع معاشا وأعظم ملكا أم فارس والروم؟ قال : بل فارس والروم ، قلت : فما ينفعنا فضلنا عليهم في الهدى إن لم تكن إلّا هذه الدنيا ، وهم فيها أكثر منا أمرا ، قد وقع في نفسي أن ما يقول محمّد من البعث بعد الموت حقّ ليجزى المحسن (١) في الآخرة بإحسانه والمسيء بإساءته ، هذا يا ابن أخي الذي وقع في نفسي ، ولا خير في التمادي في الباطل.
أخبرنا (٢) أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسين ، أنبأ أبو الحسين بن بشران ، أنا أبو الحسن المصري ، نا مقدام بن داود ، نا عمّي موسى ، نا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه قال : قال عمر بن الخطّاب لعمرو بن العاص :
لقد عجبت لك في ذهنك وعقلك كيف لم تكن من المهاجرين الأولين؟ فقال له عمرو : وما أعجبك يا عمر من رجل قلبه بيد غيره ، لا يستقر التخلص منه إلّا إلى ما أراد الذي هو بيده ، فقال عمر : صدقت (٣).
قرأنا على أبي عبد الله يحيى بن الحسن ، عن أبي الحسن محمّد بن محمّد بن مخلد الأزدي ، أنا أبو الحسن علي بن محمّد بن خزفة (٤) ، نا محمّد بن الحسين ، نا ابن أبي
__________________
(١) الأصل : المحسنين ، والمثبت عن «ز» ، ونسب قريش.
(٢) كتب فوقها في «ز» : «ح» بحرف صغير.
(٣) «فقال عمر : صدقت» مكرر بالأصل.
(٤) الأصل : حرفه ، تصحيف ، والمثبت عن «ز» ، والسند معروف.