فقلت : أبا سليمان؟ قال : نعم ، قلت : أين تريد؟ قال : محمدا ، دخل الناس في الإسلام فلم يبق أحد به طمع ؛ والله لو أقمنا لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضبع في مغارتها. قلت : وأنا والله قد أردت محمدا ، وأردت الإسلام. وخرج عثمان بن طلحة فرحب بي فنزلنا جميعا في المنزل. ثم ترافقنا حتى قدمنا المدينة ، فما أنسى قول رجل لقيناه ببئر أبي عنبة يصيح : يا رباح ، يا رباح ، فتفاءلنا بقوله وسررنا ، ثم نظر إلينا فأسمعه يقول : قد أعطت مكة المقادة بعد هذين ، فظننت أنه يعنيني وخالد بن الوليد ، ثم ولّى مدبرا إلى المسجد سريعا فظننت أنه يبشر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقدومنا ، فكان كما ظننت وأنخنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا. ونودي بالعصر ، فانطلقنا جميعا حتى طلعنا عليه صلوات الله عليه ، وإن لوجهه تهلّلا ، والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا. وتقدم خالد بن الوليد فبايع ، ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم تقدمت ، فو الله ما هو إلّا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفي إليه حياء منه. فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر. فقال : «إن الإسلام يجبّ ما كان قبله ، والهجرة تجبّ ما كان قبلها» [٩٩٩٧].
قال : فو الله ما عدل بي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا ، ولقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة ، ولقد كنت عند عمر بتلك الحالة ، وكان عمر على خالد كالعاتب.
قال عبد الحميد : فذكرت هذا الحديث ليزيد بن أبي حبيب ، فقال : أخبرني راشد مولى حبيب بن أبي أويس [عن حبيب بن أبي أويس](١) الثقفي ، عن عمرو ، نحو ذلك ، قال عبد الحميد : فقلت ليزيد (٢) : فلم يوقت لك متى قدم عمرو وخالد؟ قال : لا ، إلّا أنه قبيل الفتح ، قلت : وإن أبي أخبرني أن عمرا ، وخالدا ، وعثمان بن طلحة ، قدموا المدينة لهلال صفر سنة ثمان.
أخبرنا أبو غالب ، وأبو (٣) عبد الله ابنا البنّا ، قالا : أنا أبو جعفر بن المسلمة ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا أحمد بن سليمان الطوسي ، نا الزبير بن بكار (٤) قال :
__________________
(١) الزيادة عن «ز» والمغازي.
(٢) الأصل : لزيد ، تصحيف ، والمثبت عن م ، وزيد ، ومغازي الواقدي.
(٣) كتب فوقها في «ز» : «ح» بحرف صغير.
(٤) الخبر في نسب قريش للمصعب الزبيري ص ٤١٠ ـ ٤١١ فكثيرا ما كان الزبير بن بكار يأخذ عن عمه المصعب ، ومختصرا في الإصابة ٣ / ٢.