عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه قال : قال عمرو بن العاص :
كنت للإسلام مجانبا معاندا ، فحضرت بدرا مع (١) المشركين فنجوت ، ثم حضرت أحدا فنجوت ، ثم حضرت الخندق فقلت في نفسي : كم أوضع (٢)؟ والله ليظهرنّ محمّد على قريش ، فلحقت بمالي (٣) بالرهط ، وأقللت (٤) من الناس ، فلم أحضر الحديبية ، ولا صلحها ، وانصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالصّلح ، ورجعت قريش إلى مكة فجعلت أقول : يدخل محمّد قابلا (٥) مكة بأصحابه ، ما مكة بمنزل ولا الطائف ، وما شيء خير من الخروج ، وأنا بعد ناء (٦) عن الإسلام ، أراني لو أسلمت قريش كلها لم أسلم ، فقدمت مكة ، فجمعت رجالا من قومي كانوا يرون رأيي ويسمعون مني ، ويقدّموني فيما نابهم ، فقلت لهم : كيف أنا فيكم؟ قالوا : ذو رأينا ومدرهنا (٧) مع يمن نقيبة وبركة أمر ، قال : تعلمنّ والله إنّي لأرى أمر محمّد أمرا يعلو الأمور علوا منكرا ، وإنّي قد رأيت رأيا ، قالوا : وما هو؟ قال : نلحق بالنجاشي ، فنكون عنده ، فإن يظهر محمّد كنا عند النجاشي فنكون تحت يدي النجاشي أحبّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمّد ، وإن تظهر قريش فنحن من قد عرفوا ، قالوا : هذا الرأي ، قال : فأجمعوا ما تهدونه له ، وكان أحبّ ما يهدى إليه من أرضنا الأدم ، قال : فجمعنا أدما كثيرا.
ثم خرجنا حتى قدمنا على النجاشي ، فو الله إنّا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضّمري ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بعثه إليه بكتاب كتبه إليه يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فدخل عليه ، ثم خرج من عنده قلت لأصحابي : هذا عمرو بن أمية ، ولو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فأعطانيه ، فضربت عنقه ، فإذا فعلت ذلك سررت قريشا ، وكنت قد أجزأت (٨) عنها حين قتلت رسول محمّد.
قال : فدخلت على النجاشي ، فسجدت له كما كنت أصنع ، فقال : مرحبا بصديقي ، أهديت لي من بلادك شيئا؟ قال : فقلت : نعم أيها الملك ، أهديت أدما كثيرا ، قال : ثم قربته
__________________
(١) الأصل : من ، والمثبت عن م ، و «ز» ، و «ز» ، ومغازي الواقدي.
(٢) أوضع البعير راكبه : إذا حمله على سرعة السير (النهاية).
(٣) كذا بالأصل وم و «ز» ، وفي مغازي الواقدي : فخلّفت مالي بالرهط.
(٤) مغازي الواقدي : وأفلت يعني من الناس.
(٥) الأصل و «ز» : قابل ، والمثبت عن مغازي الواقدي.
(٦) الأصل : ناب ، وفي المغازي : نات ، والمثبت عن «ز».
(٧) المدرة : السيد الشريف ، والمقدم في اللسان واليد عند الخصومة والقتال (راجع تاج العروس).
(٨) أجزأت عنها : أي كفيتها.