البراءة من الثالب لهما [والمنتقص لهما](١) عما أنزلهما الله فيه من الرسول ومن المسلمين ، ثم زاد على ذلك أنه للمنتقص لهما معاقب ، ثم بت الشهادة وهو الصادق المرضي ، أنهما قاما بالصدق والوفاء ، والجدّ في أمر الله ورسوله حيّ بين أظهرهم يأمران وينهيان ، ويقضيان ويعاقبان ، وهذا محل جليل ، إذ هو صلىاللهعليهوسلم لا ينكر عليهما أمرهما ونهيهما ، ولا ما يقضيان في الأمور ، ويعاقبان في الموضع الذي يستحق المعاقب عقوبته ، ولا يقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليس لأحد أمر ، ولا نهي ، ولا قضاء ، ولا عقوبة ما دمت حيا إلّا لي ، إذ هو ـ عليهالسلام ـ مأمون معصوم من الزلل والعثار ، يقوده أمر الله ، ويسوقه (٢) وحيه وعصمته ، فشهد على أن هذه المنزلة كانت مطلقة لهما ، لا ينكر عليهما ، وأعطاهما حق الوسط لمحامدهما ، شهادة بأنه على أعواد المنبر ، وحوله أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأعلام التابعين ، ومعالم الأمة ، وأعيان الدين ، فليس من قائل قائم إلّا علي سيسأله بلا إشكال عليه ، ولا خامر قلبه ، ليعلم جميع الحاضرين ، ومعرفة كل المستمعين ، ويقين كل الشاهدين خطبته أن الأمر على ما يقوله.
ثم جعل يبكي ودموعه قد أسبلها على لحيته من الجزع ، مما سمع عما أبلغه ابن سبأ وأصحابه ، ثم جعل عقوبته أن نفاه من الكوفة ، وأنزله في بعض القرى ، وحرمه سكن مصر الكوفة ، إذ هو من أول أمصار المسلمين ، مصّره أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عهد عمر بن الخطّاب ثم حلف بارّا صادقا أنه لا يساكنه في بلد أبدا ، فإنّ من بقي على عبد الله بن سبأ عن موضع مهاجره من الكوفة مهاجر للمسلمين لا غلظ عقاب ، وأشد انتقام ، وإنه أغلط وأبلغ وأوجع في العقوبة من ضربه بالسوط وتجليده إياه (٣) ثم لا شافع له إلى علي في إقالته عبد الله بن سبأ ، ولا (٤) جعلوه جرما يغتفر ، وذلك لاستعظامهم جرمه ، واستغلاظهم ما أتى به من تنقّص ، الإمامين الوزيرين أبي بكر وعمر ، فعلى (٥) هذه شهادته وهو على مراقي منبره يثبت ويقطع فوق الأصلاء والأمناء والعلية ، والرفعاء والدنية من الجمهور ، والسواد قائل لقوله ، وسامع شهادته ، ثم زاد على أن حبّهما قربة ، وإن بغضهما مروق ، فأخرج المبغض لهما من الإسلام إذ حكم المارق من الدين حكم الخارج منه ، ثم زاد على أنه لا يبلغه عن أحد تفضيله عليهما إلّا جلده حدّ المفتري ، وذكر التفضيل له عليهما في سبيل الجرائم ،
__________________
(١) الزيادة للإيضاح عن «ز» ، وم.
(٢) بالأصل : وسوقه ، والمثبت عن م و «ز».
(٣) بياض بالأصل وم و «ز» مقدار كلمة.
(٤) قوله : «لا جعلوه جرما يغتفر» مكانه بياض في «ز».
(٥) «فعلى» استدركت على هامش «ز» ، وبعدها صح.