بعده إلى عمر ، فمن المسلمين من رضي ومنهم من سخط ، فكنت فيمن رضي ، فو الله ما فارق عمر الدنيا حتى رضي به من سخطه ، فأعزّ الله بإسلامه الإسلام ، وجعل هجرته للدين قواما ، وضرب الله بالحقّ على لسانه حتى ظننّا أن ملكا ينطق عن لسانه ، وقذف الله في قلوب المؤمنين الحبّ له ، وفي قلوب المنافقين الرهبة منه ، شبّهه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بجبريل فظا غليظا ، وبنوح حنقا مغتاظا على الأعداء ، فمن لكم بمثلهما رحمة الله عليهما ، لا يبلغ مبلغهما إلّا بالحب لهما ، واتّباع آثارهما ، ولو كنت تقدّمت في أمرهما لعاقبت أشد العقوبة ، فمن أتيت به بعد مقامي هذا فهو مفتري (١) ، عليه ما على المفتري ، أيها الناس ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيّها صلىاللهعليهوسلم : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم الله ـ عزوجل ـ أعلم بالخير أين هو.
أنبأنا أبو الحسن سعد الخير بن محمّد بن سهل ، ونقلته من خطه ، أنا أبو المعالي ثابت بن بندار بن إبراهيم البقّال ، أنا أحمد بن محمّد بن غالب الخوارزمي ، نا محمّد بن أحمد بن حمدان النّيسابوري ـ بخوارزم ـ قال : أملى علينا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم البوشنجي (٢) ، قال :
قد أخبر الإمام علي بمكان الصّدّيق والفاروق كيف كان من رسول رب العالمين ، إذ ذكر أنهما وزيراه وصاحباه ، وقد تعلمون موضع الوزراء كيف كانت أحوالهم عند المستوزرين لهم ، من القبول منهم ، والسكون إلى مشورتهم ، والإصغاء إليهم ، ثم زاد أنه جعلهما سيدي قريش ، وقد تعلمون موضع السيد من المسوّد ، ثم زاد أن أقامهما مقام الآباء في القبول منهم ، إذ مكان الآباء هو الذي قرن الله شكر الوالد لشكره ، فقال ـ كما قال ميمون بن مهران : لو لا أنّ الله أنزل بهما قرآنا لهبناها ، قوله ـ تعالى : (اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ)(٣) فقول ميمون لهبناها يريد أنا كنا نهاب (٤) أن نطلق هذه اللفظة (اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) إذ الله عزوجل قرن شكر نفسه بشكر الوالدين ، وهي لعمري لفظة جليلة ، ومكانها رفيع ، أن يقرن الجبار شكر أحد من بني آدم بشكره ، ثم زاد على أن أظهر البراءة ممن تناولهما بنقص ، أو ذكرهما وقصد الغض منهما ، إذا ظهر الخفض عن المرتبة التي وضعهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها (٥) حياته ، وأظهر عليّ
__________________
(١) كذا بالأصل وم و «ز».
(٢) بالأصل وم : البوسنجي ، والمثبت عن «ز».
(٣) سورة لقمان ، الآية : ١٤.
(٤) الذي بالأصل وم : «انا لباب بهاب» وفي «ز» : «أنا كتاب يهاب» والمثبت عن المطبوعة.
(٥) بالأصل وم و «ز» : فيهما.