أن عمر بن الخطّاب كان يقول : والله ما نعبأ بلذات العيش (١) ، بأن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ، ونأمر بلباب الحنطة فيخبز لنا ، ونأمر بالزبيب (٢) فينبذ لنا ، حتى إذا صار مثل عين اليعقوب (٣) أكلنا هذا وشربنا هذا ، ولكن نريد أن نستبقي طيباتنا لأنا سمعنا الله يذكر قوما فقال (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها).
أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو عمر بن حيّوية ، نا يحيى بن محمّد بن صاعد ، نا الحسين بن الحسن ، أنا عبد الله بن المبارك (٤) ، أنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن قال :
دخل عمر على عاصم بن عمر وهو يأكل لحما ، فقال : ما هذا؟ قال : قرمنا (٥) إليه فقال : وكلما قرمت إلى شيء أكلته ، كفى بالمرء سرفا أن يأكل كلّما اشتهى.
أخبرنا أبو البركات عبد الوهّاب بن المبارك ، أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، أنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب ، نا الحسن بن علي بن زياد ، نا سعيد بن سليمان ، نا عبد الحميد بن سليمان ، نا أبو حازم ، عن نافع ابن (٦) أبي نافع مولى أبي أحمد بن جحش ، عن أبيه أبي نافع قال :
قال لي أبو أحمد ليلة بعد أن صلى المغرب : أي بني ، اذهب بي إلى عمر بن الخطّاب ، فعرفت أنه يريد العشاء ، فذهبت به ، فاستأذن على عمر ، فأذن له ، فأجلسه عند رأسه ، وجلست خلفهما ، فدعا صاحب طعامه ، فقال : أبتغي لأبي أحمد شيئا يتعشى ، فقال : لا والله ما عندي شيء ، قال : ولو رغيفين ، فقال باصبعه : لا والله ولا رغيف ، قال : فالشاة التي ذبحتم اليوم؟ بقي عندكم منها شيء؟ قال : لا ، لقد أكلتموها ، قال : فرأسها ما فعل؟ قال : قد أكلوه ، قال : فالجمجمة؟ قال : هو ذيك مطروحة ، قال : فائتني بها ، قال : [فأتي](٧) بالجمجمة قد أكل لحمها وعلى اليافوخ جلدة يابسة سوداء ، قال : فجعل عمر يقشرها ، فيناوله
__________________
(١) «ما نعبأ بلذات العيش» مكانه بياض في «ز».
(٢) بالأصل : «بالزيت» تصحيف ، والتصويب عن «ز» ، وم.
(٣) اليعقوب : الذكر من الحجل والقطا (تاج العروس : بتحقيقنا : عقب).
(٤) رواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق في باب ما جاء في ذنب التنعم في الدنيا ص ٢٦٦ رقم ٧٦٩.
(٥) القرم ، بالتحريك ، شدة شهوة اللحم.
(٦) بالأصل : «عن» تصحيف ، والتصويب عن م و «ز».
(٧) سقطت من الأصل وم و «ز» ، واستدركت عن مختصر ابن منظور.