منزور الهجوع ، فأعلامها خاشعة خاضعة ، وولدانها لثديّ البؤس راضعة ، والله سبحانه يوفد بخبر فتحها القريب ركاب البشرى ، وينشر رحمته قبلنا نشرا.
«ثم تنوّعت يا رسول الله لهذا العهد أحوال العدوّ تنوّعا يوهم إفاقته من الغمرة ، وكادت فتنته تؤذن بخمود الجمرة ، وتوقّع ، وحذر ذلك السمّ الناقع ، وخفيف الخرق الذي يحار فيه الراقع ، فتعرفنا عوائد الله سبحانه ببركة هدايتك ، وموصول عنايتك ، فأنزل النصر والسكينة ، ومكّن العقائد المكينة ، فثابت العزائم وهبّت ، واطّردت عوائد الإقدام واستتبت ، وما راع العدو إلا خيل الله تعالى تجوس خلاله ، وشمس الحق توجب ظلاله ، وهداك الذي هديت يدحض ضلاله ، ونازلنا حصني قنبيل والحائر (١٩) ، وهما معقلان متجاوران يتناجى منهما الساكن سرارا، وقد اتخذا بين النجوم قرارا ، وفصل بينهما حسام النهر يروق غرارا ، والتفّ معصمه في حلّة العصب وقد جعل الجسر سوارا ، فخذل الصليب بذلك الثغر من تولّاه ، وارتفعت أعلام الإسلام بأعلاه ، وتبرجت عروس الفتح المبين بمجلاه ، والحمد لله تعالى على ما أولاه.
ثم تحركنا على تفئة (٢٠) تعدّي ثغر الموسطة على عدوّه المساور في المضاجع ، ومصبحه بالفاجىء الفاجع ، فنازلنا حصن روطة الآخذ بالكظم ، المعترض بالشّجا اعتراض العظم ، وقد شحنه العدو مددا بئيسا ، ولم يأل اختياره رأيا ولا تلبيسا ، فأعيا داؤه ، واستقلت بالمدافعة أعداؤه ، ولمّا أتلع إليه جيد المنجنيف ، وقد برك عليه بروك الفنيق ، وشد عصام العزم الوثيق ، لجأ أهله إلى التماس العهود والمواثيق ، وقد غصوا بالريق ، وكاد يذهب بأبصارهم لمعان البريق ، فسكناه من حامية الماهدين بمن يحمي ذماره ، ويقرر اعتماره ، واستولى أهل الثعور إلى هذا الحد على معاقل كانت مستغلقة ففتحوها ، وشرعوا أرشية الرماح إلى قلب قلوبها فمتحوها.
«ولم تكد الجيوش المجاهدة تنفض عن الأعراف متراكم الغبار ، وترحي عن آباط خيلها شدّ حزم المغار ، حتى عاودت النفوس شوقها ، واستتبعت ذوقها ، وخطبت التي لا فوقها ، وذهبت بها الآمال إلى الغاية القاصية ، والمدارك المتصاعبة على الأفكار المتعاصية ، فقصدنا الجزيرة الخضراء باب هذا الوطن الذي من طرق وادعه ، ومطلع الحق الذي صدع الباطل صادعه ، وثنية الفتح التي برق منها لامعه ، ومشرف الهجوم الذي لم تكن لتعثر على غيره مطامعه ، وفرضة المجاز التي لا تنكر ، ومجمع البحرين في بعض ما يذكر ، حيث يتقارب الشطّان ، ويتوازى الخطّان ، وكاد أن تلتقي حلقنا البطان ، وقد كان الكفر قدّر قدر هذه الفرصة التي
__________________
(١٩) في نسخة والحوائر.
(٢٠) على تفئة : على أثر.