فعجبت من سوء أدبه وقلة حيائه ، وذكرت ذلك لبعض الناس فقال : إنما فعل ذلك خوفا عليك من التمساح فحال بينك وبينه! ثم سرنا من كارسخو فوصلنا إلى نهر صنصرة ، بفتح الصادين المهملين والراء وسكون النون ، وهو على نحو عشرة أميال من مالّي (٦٠) ، وعادتهم أن يمنع الناس من دخولها إلا بالإذن ، وكنت كتبت قبل ذلك لجماعة البيضان ، وكبيرهم محمد بن الفقيه الجزولي ، وشمس الدين بن النّقويش المصري (٦١) ، ليكتروا لي دارا ، فلما وصلت إلى النهر المذكور جزت في المعدية ولم يمنعني أحد ، فوصلت إلى مدينة مالّي ، حضرة السودان (٦٢) ، فنزلت عند مقربتها ، ووصلت إلى محلة البيضان ، وقصدت محمد ابن الفقيه فوجدته قد اكترى لي دارا إزاء داره فتوجهت اليها ، وجاء صهره الفقيه المقرئ عبد الواحد (٦٣) بشمعة وطعام ، ثمجاء ابن الفقيه إليّ من الغد وشمس الدين بن النقويش وعلي الزّودي المراكشي ، وهو من الطلبة ، ولقيت القاضي بمالي عبد الرحمن ، جاءني ، وهو من السودان حاج فاضل له مكارم أخلاق ، بعث إلي بقرة في ضيافته ، ولقيت التّرجمان دوغا ، بضم الدال وواو وغين معجم ، وهو من أفاضل السودان وكبارهم وبعث إليّ بثور وبعث إليّ الفقيه عبد الواحد غرارتين من الفوني ، وقرعة من الغرتي (٦٤) ، وبعث إليّ ابن الفقيه الأرز والفونى ، وبعث إليّ شمس الدين بضيافة ، وقاموا بحقي أتمّ قيام ، شكر الله حسن أفعالهم.
__________________
(٦٠) تعددت افتراضات المعلقين حول موقع عاصمة مالي : هناك من يعتقد أنها نيامي وهؤلاء يقاربون بين صنصرة وسنكرني على يمين ساحل النيجر! وبعضهم رأى أن عاصمة مالي هي گامبيا وهناك من يعتقد أن موقع مالي ينبغي أن يكون بين سيگو وباماكو ... ولهذا فإن تحرير القول حول الموضوع يحتاج إلى المزيد من التنقيبات ... يراجع التعليق الآتي رقم Beckingham P.٥٥٩ ـ ٦٥٩ ـ Note ٠٤ ـ ٢٦.
(٦١) بعض المخطوطات ترسم النغريس وبعضها النقريس.
(٦٢) هل إن مالي عند ابن بطوطة هي نيني عند العمري الذي يقول عنها نقلا عن سعيد الدكالي الذي سكنها طوال خمس وثلاثين سنة : ومدينة نيني ممتدة طولا وعرضا تكوّن طول بريد تقريبا (٢٣ ك. م) وعرضها كذلك لا يحيط بها سور وللملك عدة قصور يستدير بها سور ، محيط بها وفرع من النيل يستدير بهذه المدينة من جهاتها الأربع وفي بعضها مجاز يمشي فيه عند قلة الماء وفي بعضها لا يعبر إلا بالمراكب ، وبناء هذه المدينة بأياد من الطين ... وسقوفها بالأخشاب والقصب ... وشرب أهلها من ماء النيل وآبار محتفرة وجميع هذه البلاد مصخرة مجبلة ..." وحسب رسم الكلمة المشكوك فيه ، فإن نيني المدينة حدّدت مع القرية التي تحمل نفس الاسم والتي تقع على سنكرني في الحدود الغينية المالية. والتنقيبات التي أجريت ١٩٦٥ لم تكن فاصلة ، وهكذا فإن محلة جديدة رشحت للتنقيب في أعلى غامبيا في الأرض الغينية ـ أنظر التعليق السابق رقم ٦٠.
Gibb : IBn BAT, Asia and Africa P. ٩٧٣ ـ ٠٨٣ ـ Note ٩١
(٦٣) يتعلق الأمر بعبد الواحد المقري المنحدر من عائلة كانت تتوفر على عدد من التجار المقيمين في ولّاته منذ بداية القرن السابع الهجري ـ الثالث عشر ، علاوة على تمكنهم من التجارة عبر الصحراء ، بين تلمسان ومالي. كلمة (دوغا) تعني النّسر في باماناBamana. المقري : نفح الطيب في غصن الأندلس الطيب ـ تحقيق د. احسان عباس ـ دار صادر بيروت ج ٥ ، ص ٢٠٥ ١٣٨٨ ـ ١٩٦٨ ـ د. التازي : التاريخ الدبلوماسي للمغرب ج ٦ ص ١٥٥ ـ ١٥٦ ـ راجع التعليق ٢٥ سالف الذكر.
(٦٤) انظر بالتتابع ما تقدم في التعليق ٣٥ ـ ٣٩.