فإن سألت عني سليمى فقل لها |
|
به غبّر من دائه وهو صالح |
وقوله : حتى إذا ارتوى من آجن : الآجن : الماء المتغير لركوده وطول وقوفه ، وكذلك الآسن ، يقال : أسن الماء يأسن ويأسن ، وأجن يأجن ويأجن ، قرأ ابن كثير (غَيْرِ آسِنٍ) مقصورة الهمزة ، وقيل في قول الله تعالى (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)(١) إنه من السّنة أي لم تؤثر فيه السنون فتحيله وتغيره ، ووصلوا بالهاء ووقفوا عليها إذا كانت فيه أصلا ، يقولون بعته مشافهة (٢) ومساناة ، فجعل من قرأ هكذا الهاء لام الفعل وأصلا فيه ، وأثبت الهاء فيه آخرون زائدة للسكت إذا وقفوا ، كقوله اقتده وكقولهم : ارنيه وتعاله ، وحذفوها في الوصل فقال : يتسنّ وانظر ، وزعموا أنه من أسن الماء. وهذا التأويل عندنا غلط من متأوليه ، وذهاب عن وجه الصواب فيه ، ولو كان على ما توهموه لوجب أن يقال : لم يتأسن لأن الهمزة فيه ، فاء الفعل والسين عينه والنون لامه ، وإشباع هذا فيما ألّفناه من حروف القرآن ومعانيه. ومن الآجن قول عبيد بن الأبرص (٣) :
يا ربّ ما آجن وردته |
|
سبيله خائف حديب |
ريش الحمام على أرجائه |
|
للقلب من خوفه وجيب |
وقوله : خباط عشوات : يعني : الظلم ، وهذا الفريق الذي وصفهم أمير المؤمنين من الجهلة الأراذل السفلة ، قد كثروا في زماننا وغلبوا على أهله ، واستعلوا على علمائه والربانيين فيه ، وإلى الله المشتكى ، وقد تظاهرت الأخبار عن رسول الله أنه قال : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم ، اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا ، بغير علم فضلوا وأضلّوا.
أخبرنا أبو سعد عبد الملك بن أحمد بن الحسين بن قريش العنائي (٤) ـ ببغداد ـ نا أبو القاسم بن البسري ـ إملاء ـ نا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد بن أحمد ـ قراءة عليه ـ أنا محمّد بن يحيى ، نا محمّد بن القاسم أبو العيناء ، نا الأصمعي ، عن شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : قال الحسن بن علي :
قال لي أبي علي بن أبي طالب : أي بني لا تخلفن وراءك شيئا من الدنيا ، فإنك تخلفه
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٥٩.
(٢) كذا بالأصل والمطبوعة ، وفي الجليس الصالح : مسانهة ومساناة.
(٣) ديوان عبيد بن الأبرص ص ١٦.
(٤) كذا رسمها بالأصل ، وفي المطبوعة : العنابي ، ولم ترد هذه النسبة في مشيخة ابن عساكر ١٢٦ / أ.