كنا ذات يوم عند معاوية بن أبي سفيان وقد جلس على سريره واعتجر (١) بتاجه ، واشتمل بساجه (٢) وأومى (٣) بعينيه يمينا وشمالا وقد تفرّشت جماهير قريش ، وسادات العرب أسفل السرير من قحطان ، ومعه رجلان على سريره : عقيل بن أبي طالب ، والحسن بن علي ، وامرأة من وراء الحجاب تشير بكمّيها يمينا وشمالا ، فقالت : يا أمير المؤمنين فأنت (٤) الليلة أرقة ، قال لها معاوية : أمن ألم؟ قالت : لا ، ولكن من اختلاف رأي الناس فيك وفي علي بن أبي طالب وأ [بوك أبو سفيان](٥) صخر بن حرب بن أمية ، وكان أمية من قريش لبابها ، فقالت في معاوية فأكثرت وهو مقبل على عقيل والحسن ، فقال معاوية : رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعد الظهر ، حرم على النار أن تأكله أبدا» [٩٠١١].
ثم قال لها : أفي علي تقولين؟ المطعم في الكربات (٦) ، المفرّج للكربات مع (٧) ما سبق لعلي من العناصير السرية ، والشيم الرضية والشرف ، فكان كالأسد الحاذر ، والربيع النائر ، والفرات الذاخر ، والقمر الزاهر ، فأما الأسد فأشبه علي منه صرامته ومضاءه ، وأما الربيع فأشبه علي منه حسنه وبهاءه ، وأما الفرات فأشبه علي منه طيبه وسخاءه ، فما تغطمطت (٨) عليه قماقم (٩) العرب الشادة (١٠) من أول العرب عبد مناف ، وهاشم وعباس ، القماقم ، والعباس صنو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأبوه وعمه أكرم به أبا وعمّا ، ولنعم ترجمان القرآن ولده يعني عبد الله بن عباس كهل الكهول ، له لسان سئول ، وقلب عقول ، خيار خلق الله وعترة نبيه خيار ابن خيار.
فقال عقيل بن أبي طالب : يا بنت أبي سفيان ، لو أن لعلي بيتين بيت من تبر ، والآخر :
__________________
(١) الاعتجار هو أن يلف العمامة على رأسه ويرد طرفها على وجهه بحيث لا يعمل منها شيئا تحت ذقنه (اللسان : عجر).
(٢) الأصل و «ز» : «بساحه» والمثبت عن م. والساج : الطيلسان.
(٣) لغة في أومأ.
(٤) كذا رسمها بالأصل ، وفي م : «ماتت» وفي المختصر : «ما بتّ» وفي المطبوعة : فاتت.
(٥) مكانه بياض بالأصل ، والكلام متصل في م ، والمستدرك بين معكوفتين عن المطبوعة ، والكلمات مستدركة فيها بين معكوفتين.
(٦) كذا بالأصول.
(٧) بالأصل : «فمما سبق» والمثبت : «مع ما سبق» عن «ز» ، وم ، والمطبوعة.
(٨) رسمها بالأصل وم : «تعطبطت» وفي المطبوعة : «تعطمطت» والمثبت عن المختصر.
(٩) القماقم من الرجال : السيد الكثير الخير ، الواسع الفضل.
(١٠) كذا بالأصول والمطبوعة ، وفي المختصر : السادة.