الجامع من صحنه سنة ست عشرة ، وعوّض أرجل قسيّه أعمدة الرخام ، وجلب الرّءوس والموائد من قرطبة ، وفرش صحنه بكذّان الصّخيرة (١). ومن مكارمه أنه لمّا ولّي مستخلص غرناطة وإشبيلية ، وجّهه أميره علي بن يوسف بن تاشفين إلى طرطوشة برسم بنائها ، وإصلاح خللها ، فلمّا استوفى الغاية فيها قلّده ، واستصحب جملة من ماله لمؤنته المختصّة به ، فلما احتلّها سأل قاضيها ، فكتب إليه جملة من أهلها ممن ضعف حاله وقلّ تصرفه من ذوي البيوتات ، فاستعملهم أمناء في كل وجه جميل ، ووسّع أرزاقهم ، حتى كمل له ما أراد من عمله. ومن عجز أن يستعمله وصله من ماله. وصدر عنها وقد أنعش خلقا كثيرا.
شعره : من قوله في مجلس أطربه سماعه ، وبسطه احتشاد الأنس فيه واجتماعه (٢) : [الخفيف]
لا تلمني إذا طربت لشجو (٣) |
|
يبعث الأنس فالكريم طروب |
ليس شقّ الجيوب حقّا علينا |
|
إنما الحقّ (٤) أن تشقّ القلوب |
وقال ، وقد قطف غلام من غلمانه نوّارة ، ومدّ بها يده إلى أبي نصر الفتح بن عبيد الله (٥) ، فقال أبو نصر (٦) : [الطويل]
وبدر بدا والطّرف مطلع حسنه |
|
وفي كفّه من رائق النّور كوكب |
يروح لتعذيب النفوس ويغتدي |
|
ويطلع في أفق الجمال ويغرب |
فقال أبو محمد بن مالك (٧) : [الطويل]
ويحسد (٨) منه الغصن أيّ مهفهف |
|
يجيء على مثل الكئيب ويذهب |
__________________
(١) في النفح : «الصخر». والكذّان : حجارة رخوة.
(٢) البيتان في قلائد العقيان (ص ١٦٩) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٢٠٥) و (ج ٤ ص ٢٠٤).
(٣) في القلائد : «لشدو».
(٤) في النفح : (ج ٢ ص ٢٠٥): «الشأن».
(٥) هو أبو نصر الفتح بن خاقان ، صاحب «قلائد العقيان» و «مطمح الأنفس».
(٦) البيتان في نفح الطيب (ج ٤ ص ٢٠٤). وورد البيت الأول في نفح الطيب (ج ٢ ص ٢٠٥) منسوبا إلى ابن مالك. وورد البيت الثاني في قلائد العقيان (ص ١٧٠) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٢٠٥) منسوبا إلى محمد بن مالك.
(٧) البيت في قلائد العقيان (ص ١٧٠) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٢٠٤).
(٨) في القلائد : «ويحسن».