بالناس الظهر ، ثم انصرف إلى بيته ، فركع ركعتين ، ثم خرج فجلس في صحن المسجد ، [وقدموا عليه](١) وقدّموا عطارد بن حاجب التميمي فخطب ، فقال : الحمد لله الذي له الفضل علينا ، والذي جعلنا ملوكا ، وأعطانا الأموال نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعزّ أهل المشرق ، وأكثرهم مالا ، وأكثرهم عددا ، فمن مثلنا في الناس؟ ألسنا رءوس الناس وذوي فضلهم؟ فمن يفاخر فليعدد مثل ما عددنا ، ولو شئنا لأكثرنا من الكلام ولكنا نستحي من الإكثار فيما أعطانا الله ، أقول هذا لأن يؤتى بقول هو أفضل من قولنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لثابت بن قيس : «قم فأجب خطيبهم» ، فقام ثابت وما كان درى من ذلك بشيء ، وما هيّأ قبل ذلك ما يقول فقال : الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه ، قضى فيهما أمره ، ووسع كل شيء علمه ، فلم يك (٢) شيء إلّا من فضله ، ثم كان مما قدّر الله أن جعلنا ملوكا ، اصطفى لنا من خلقه رسولا ، أكرمهم نسبا ، وأحسنهم زيا ، وأصدقهم حديثا ، أنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، وكان خيرته من عباده ، فدعا إلى الإيمان ، فآمن المهاجرون من قومه ، وذوي رحمه ، أصبح الناس وجها ، وأفضل الناس فعالا ، ثم كنا أول الناس إجابة حين دعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنحن أنصار الله ورسوله ، نقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله ، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ، ومن كفر بالله ورسوله جاهدناه في ذلك وكان قتله علينا يسيرا ، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات ، ثم جلس ، فقالوا : يا رسول الله ائذن لشاعرنا ، فأذن له ، فأقاموا الزبرقان بن بدر فقال (٣) :
نحن الملوك فلا حي يقاربنا (٤) |
|
فينا الملوك وفينا تنصب البيع |
وكم قسرنا من الأحياء كلهم |
|
عند النهاب وفضل الخير (٥) يتّبع |
ونحن نطعم عند القحط ما أكلوا |
|
من السّديف إذا لم يؤنس القزع (٦) |
وننحر الكوم عبطا في أرومتنا (٧) |
|
للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا |
__________________
(١) زيادة عن مغازي الواقدي ، سقطت من الأصل وم.
(٢) الأصل وم : يكن.
(٣) الأبيات في مغازي الواقدي ٣ / ٩٧٧ وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٠٨ وديوان حسان بن ثابت ط بيروت ص ١٤٤ والبداية والنهاية بتحقيقنا ٥ / ٥١.
(٤) في سيرة ابن هشام والديوان والبداية والنهاية :
نحن الكرام فلا حي يعادلنا
والبيع جمع بيعة وهي موضع الصلاة.
(٥) في المصادر الثلاثة السابقة : العز.
(٦) القزع محركة : السحاب الرقيق.
(٧) الكوم جمع كوماء ، وهي العظيمة السنام من النوق. وعبطا أي من غير غلة.