وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء ، فإذا فيها صورة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، فقال : تدرون من هذا؟ قلنا : هذا محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وبكينا ، فقال : الله يعلم أنه محمّد قلنا : نعم بديننا إنها صورته كأنما ننظر إليه حيا ، قال : فاستخفّ حتى قام على رجليه قائما ، ثم جلس ، فأمسك طويلا فنظر في وجوهنا ، فقال : أما إنه كان آخر البيوت ، ولكني عجلته لأنظر ما عندكم ، فأعاده وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء فإذا فيها صورة رجل جعد أبيض قطط غائر العينين ، حديد النظر ، عابس متراكب الأسنان ، مقلّص الشفة كأنه من رجال أهل البادية ، فقال : تدرون من هذا؟ قلنا : لا ، قال : هذا موسى ، وإلى جانبه صورة شبيهة به رجل مدور الرأس عريض الجبين بعينه قبل (١) ، قال : تدرون من هذا؟ قلنا : لا ، قال : هذا هارون وفتح بيتا آخر فاستخرج منه خرقة حرير خضراء ، [فنشرها](٢) فإذا فيها صورة بيضاء ، فإذا رجل أوقص (٣) قصير الظهر ، طويل الرجلين على فرس لكلّ شيء منه جناح ، فقال : تدرون من هذا؟ قلنا : لا ، قال : هذا سليمان ، وهذه الريح تحمله ، ثم أعادها ، وفتح بيتا آخر فيه حريرة خضراء فنشرها ، فإذا صورة بيضاء وإذا رجل شاب حسن الوجه حسن العينين شديد سواد اللحية يشبه بعضه بعضا ، فقال : تدرون من هذا؟ قلنا : لا ، قال : هذا عيسى بن مريم ، فأعادها وأطبق الرّبعة (٤) قال : قلنا أخبرنا عن قصة الصور ما حالها؟ فإنّا نعلم أنها تشبه الذين صورت صورهم ، وإنا رأينا نبينا صلىاللهعليهوسلم تشبه صورته ، قال : أخبرت أنّ آدم سأل ربه أن يريه أنبياء نبيه فأنزل عليه صورهم ، فاستخرجها ذو القرنين من خزانة آدم في مغرب الشمس فصوّرها لنا دانيال في خرق الحرير على تلك الصور ، فهي هذه بعينها ، أما والله لوددت أن نفسي طابت بالخروج من ملكي وتابعتكم على دينكم ، وأن أكون عبدا لأسوئكم (٥) ملكة ، ولكن نفسي لا تطيب ، فأجازنا فأحسن جوائزنا ، وبعث معنا من يخرجنا إلى مأمننا ، فانصرفنا إلى رحالنا.
قال القاضي : قد كنا أمللنا هذا الخبر من طريق آخر ، ومعاني الخبرين متقاربة ، ولما
__________________
(١) القبل في العين : إقبال سوادها على الأنف أو الحاجب (اللسان).
(٢) الزيادة عن الجليس الصالح.
(٣) الأوقص : قصير العنق (اللسان).
(٤) الربعة : إناء مربع كجونة العطار التي يحفظ فيها الطيب.
(٥) كتبت بالأصل : لا سواكم ، والمثبت عن الجليس الصالح.