المنذر ، فأخبره ما قالوا ، فقبل ذلك وفرح وقال : إنّ لك يا زيد عليّ نعمة لا أكفرها ما عرفت حقّ سبد ـ وسبد صنم كان لأهل الحيرة ـ فولّى أهل الحيرة زيدا على كل شيء سوى اسم الملك ، فإنهم أقروه للمنذر وفي ذلك يقول عدي :
نحن كنا قد علمتم قبلكم |
|
عمد البيت وأوتاد الإصار (١) |
قال : ثم هلك زيد وابنه عدي يومئذ بالشام ، وكانت لزيد ألف ناقة للحمالات (٢) كان أهل الحيرة أعطوه إياها حين ولّوه ما ولوه ، فلما هلك أرادوا أخذها فبلغ ذلك المنذر فقال : لا واللات والعزّى ، لا يؤخذ مما كان في يد زيد ، ثفروق (٣) وأنا أسمع للصوت ففي ذلك يقول عدي بن زيد لابنه النعمان بن المنذر :
وأبوك المرء لم يشنأ (٤) به |
|
يوم سيم الخسف منا ذو الخسار |
قال : ثم إن عديا قدم المدائن على كسرى بهدية قيصر ، فصادف أباه والمرزبان الذي رباه قد هلكا جميعا ، فاستأذن كسرى في الإلمام بالحيرة فأذن له ، فتوجه إليها ، وبلغ المنذر خبره ، فخرج فتلقاه في الناس ، باستبنا (٥) ، ورجع معه.
وعدي أنبل أهل الحيرة في أنفسهم ، ولو أراد أن يملكوه لملكوه ، ولكنه كان يؤثر الصيد واللهو واللعب على الملك. فمكث سنين يبدو في فصلي السنة ، فيقيم بالبر ويشتو بالحيرة ، ويأتي المدائن في خلال ذلك فيخدم كسرى ، فمكث كذلك سنين ، وكان لا يؤثر على بلاد بني يربوع شيئا من مبادي العرب ، ولا ينزل في حي من أحياء بني تميم غيرهم ، وكان أخلاؤه من العرب كلهم بني جعفر ، وكانت إبله في بلاد بني ضبة وبلاد بني سعد ، وكذلك كان أبوه يفعل ، لا يجاوز (٦) هذين الحيين بإبله ، ولم يزل على حاله تلك حتى تزوج هند بنت النعمان بن المنذر وهي يومئذ جارية حين (٧) بلغت أو كادت.
قال ابن حبيب : وذكر هشام بن الكلبي عن إسحاق بن الجصاص وحماد الراوية وأبي
__________________
(١) الإصار : وتد الطنب أو الخباء.
(٢) الحمالات جمع حمالة ، وهي الدية والغرامة يحملها قوم عن قوم.
(٣) الثفروق : علامة ما بين النواة والقمع من التمرة. وقيل : ما التزق بأسفل العنب والتمر ونحوهما (راجع اللسان : ثفرق).
(٤) عن الأغاني ، ورسمها بالأصل : نسق؟؟؟.
(٥) بدون إعجام بالأصل ، والمثبت عن م ، وفي المختصر : «باشنبيا» وهي غير موجودة في الأغاني.
(٦) الأصل : حاجب ، وفي م : يجاوز ، والمثبت عن الأغاني.
(٧) الأصل وم : حتى ، والمثبت عن الأغاني.