ثم إنّ كسرى أرسل عدي بن زيد إلى ملك الروم بهدية من طرف ما عنده ، فلما أتى عدي بها أكرمه وحمله على البريد إلى أعماله (١) ليريه سعة أرضه وعظم ملكه ، وكذلك كانوا يصنعون ، فمن ثمّ وقع عدي بدمشق ، وقال فيها الشعر فكان مما قاله بالشام وهو أول شعر قاله فيما ذكر (٢) :
ربّ دار بأسفل الجزع من دو |
|
مة (٣) أشهى إليّ من جيرون (٤) |
وندامى لا يفرحون بما نا |
|
لوا ولا يرهبون (٥) صرف المنون |
وسقيت الشمول في دار بشر |
|
قهوة مرة بماء سخين |
ثم كان أول ما قاله بعدها قوله (٦) :
لمن الدار تعفت بخيم (٧) |
|
أصبحت غيرها طول القدم |
صالحا قد لفها فاستوسقت |
|
لفّ بازي حماما في سلّم |
قال : وفسد أمر الحيرة وعدي بدمشق ، حتى أصلح أبوه بينهم ، وذلك لأن [أهل](٨) الحيرة حين كان عليهم المنذر أرادوا قتله لأنه كان لا يعدل فيهم ، وكان يأخذ من أموالهم [ما](٩) يعجبه فلما تيقن أن أهل الحيرة قد أجمعوا على قتله بعث إلى زيد بن حمار بن زيد بن أيوب ، وكان قبله على الحيرة فقال له : يا زيد أنت خليفة أبي ، وقد بلغني ما أجمع عليه أهل الحيرة ، فلا حاجة لي في ملككم ، دونكموه فملّكوه من شئتم ، فقال له زيد : إنّ الأمر ليس إليّ ولكني أسبر (١٠) لك هذا الأمر (١١) ولا آلوك نصحا ، فلما أصبح غدا إليه الناس فحيّوه تحية الملك ، وقالوا له : ألا تبعث إلى الظالم عبدك ـ يعنون المنذر ـ فتريح منه رعيتك؟ قال لهم : أولا خير من ذلك؟ قالوا له : أشر علينا ، قال : تدعونه على حاله فإنه من أهل بيت ملك ، وأنا آتيه فأخبره أن أهل الحيرة قد اختاروا رجلا يكون أمر الحيرة إليه إلّا أن يكون غزو وقتال ، فلك اسم الملك وليس إليك شيء سوى ذلك من الأمور ، قالوا : رأيك أفضل ، فأتى
__________________
(١) الأغاني : عماله.
(٢) الأبيات في الأغاني ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣.
(٣) انظر ما ذكره في دومة «معجم البلدان» و «معجم ما استعجم للبكري».
(٤) جيرون : بناء عند باب دمشق ، (وانظر معجم البلدان).
(٥) بدون إعجام في الأصل : ورسمها «يبعون؟؟؟» وفي م : يتقون ، والمثبت عن الأغاني.
(٦) الأبيات في الأغاني ٢ / ١٠٣.
(٧) خيم : موضع.
(٨) الزيادة للإيضاح عن الأغاني.
(٩) الزيادة للإيضاح عن الأغاني.
(١٠) الأصل وم والمختصر : أشير ، والمثبت عن الأغاني.
(١١) الأصل : الأمير ، والمثبت عن م والأغاني.