الأعرابي : وأين منزلك؟ قال : الحيرة ، قال : من بني أيوب؟ قال : نعم ، ومن أين تعرف بني أيوب ، واستوحش من الأعرابي ، وذكر الدار الذي هرب منه أبوه ، فقال له : سمعت بهم ، ولم يعلمه أنه قد عرفه ، فقال له [زيد](١) بن أيوب : فمن أي العرب أنت؟ قال : أنا امرؤ من طيء ، فأمنه زيد وسكت عنه ، ثم إن الأعرابي اغتفل ابن أيوب فرماه بسهم بين كتفيه ففلق قلبه ، فلم يرم حافر دابته حتى مات فلبث أصحاب زيد حتى إذا كان الليل طلبوه ، وقد افتقدوا وظنوا أنه قد أمعن في طلب الصيد ، فباتوا يطلبونه حتى آيسوا منه ، ثم غذوا في طلبه فاقتفوا أثره حتى وقعوا عليه ورأوا معه أثر راكب آخر يسايره فاتبعوا الأثر حتى وجدوه قتيلا ، فعرفوا أن صاحب الراحلة قتله ، فاتبعوه فاغذوا السير فأدركوه مسي (٢) الليلة الثانية فصاحوا به ، وكان من أرمى الناس فامتنع منهم بالنبل حتى حال الليل بينهم وبينه وقد أصاب رجلا منهم في مرجع كتفه بسهم فلما أجنه الليل مات وأفلت الرامي ، فرجعوا وقد قتل زيد بن أيوب ورجلا (٣) آخر من بني الحارث بن كعب فمكث حمار (٤) في أخواله حتى أيفع (٥) ولحق الوصفاء (٦) ، فخرج يوما من الأيام يلعب مع غلمان بني لحيان ، فلطم اللحياني عين حمار فشجّه حمار ، فخرج أبو اللحياني فضرب حمارا فأتى حمار أمه يبكي ، فقالت له (٧) : ما شأنك؟ فقال : ضربني فلان لأن ابنه لطمني فشججته ، فجزعت من ذلك أمه وحوّلته إلى دار زيد بن أيوب وعلّمته الكتابة في دار أبيه ، فكان حمار أول من كنت من بني أيوب فخرج من أكتب الناس وطلب حتى صار كاتب النعمان الأكبر فلبث كاتبا له [حتى ولد له](٨) ابن من امرأة تزوجها من طيء فسماه زيدا باسم أبيه وكان [لحمار](٩) صديق من الدهاقين العظماء يقال له فروخ ماهان ، وكان محسنا إلى حمار ، فلما حضرت حمارا الوفاة أوصى بابنه زيد إلى الدهقان ، وكان من المرازبة ، فأخذه الدهقان إليه ، فكان عنده مع ولده ، وكان زيد قد حذق الكتابة العربية قبل أن يأخذه الدهقان ، فعلّمه لما أخذه الفارسية فلقنها وكان لبيبا فأشار الدهقان على كسرى أن يجعله على البريد في حوائجه ، ولم يكن كسرى يفعل ذلك إلّا بأولاد المرازبة ، فمكث يتولّى ذلك لكسرى زمانا ثمّ إن النعمان النصري اللخمي هلك ، فاختلف أهل الحيرة فيمن يملّكونه إلى أن يعقد كسرى الأمر لرجل ينصبه ، فأشار عليهم المرزبان يزيد بن حمار
__________________
(١) زيادة عن الأغاني.
(٢) المسي من المساء ، وفي الأغاني : مساء.
(٣) الأصل : ورجل ، والمثبت عن م والأغاني.
(٤) الأصل وم ، وفي الأغاني : حماد.
(٥) أيفع الغلام فهو يافع إذا شارف الاحتلام.
(٦) الوصفاء جمع وصيف وهو الغلام دون المراهق.
(٧) الأصل : فقال ، والمثبت عن م والأغاني.
(٨) ما بين معكوفتين زيادة عن م والأغاني.
(٩) الزيادة عن م ، وفي الأغاني : لحماد.